وهذا نظير ما اعترض به بعض المغاربة على ابن محسود، حين أفتى بجواز بيع أرض محبسة على مساكين في سنة قاحلة؛ دفعاً لما نزل بهم من الخصاصة.
ويوافق الفتوى الأولى: ما نقله الحافظ ابن رجب البغدادي في كتاب "جامع العلوم" عن الإمامين: الشافعي، وأحمد من استحسان قول القافة (١) في سرقة الأموال، والأخذ بذلك، وقال الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه: إذا قال صاحب الزرع: أفسدت غنمُك زرعي بالليل، ينظر إلى الأثر، فإن لم يكن أثر غنمه في الزرع، فلا بد أن يجيء بالبينة، وهذا ظاهر في اكتفائها بمعرفة أثر الغنم، وإن البينة إنما تلزم عند عدم رؤية الأثر.
ومما يؤكد أن الحكم الشرعي يعتبر في تفصيله طبيعة الواقعة بحسب ما يجري به العرف، ويحف به من مقتضيات الزمان: أن السلف كانوا يكرهون السؤال عن النوازل قبل حدوثها. نقل الحافظ ابن عبد البر: أن عمر كان يلعن من سأل عما لم يكن، وكان زيد بن ثابت - رضي الله عنه - إذا سألة إنسان في نازلة، قال له: الله عليك، هل كان هذا؟ فإن قال: نعم، نظر في الحكم، وإن قال: لا، سكت عنه، ولم يعطه جوابًا. فيمكن أن يعد في أسباب كراهتهم للمسائل المقدرة: حذرهم من أن يفرضوا لصورة النازلة حكماً، فتبرز للخارج، ويقارنها بعض أحوال لو شاهدها المفتي، لغيّر حكمه، وفصله على ما يطابق تلك الأحوال. ومن وجوه هذه الكراهة - كما قال بعض العالمين -: أن الله يمد العلماء، وبؤيدهم بالسداد إذا توجهوا بأنظارهم إلى قضية ألجأتهم إليها
(١) القافة: جمع القائف: من يعرف الآثار - "القاموس".