المعاني المتفرقة، وقصوره عن تصور ما ينتج عنها إذا ركبت في نظام واحد، لم يزد على الاحتفاظ بما اقتنصه سمعه من إفهام معلمه.
تتفاوت العقول بحسب فطرتها، وقد تتقارب باعتبار الفطرة، ويدركها التفاضل بما يتقدم إلى بعضها من التعاليم الراقية بحسن أساليبها وصدق قضاياها؛ فإن مبكرة الفطرة بالمطالب الصحيحة الواردة في الأساليب الحسنة، يربيها من مبدأ نشأتها على معرفة الطيبات من العلم، ويشب بها على طريقة الإفهام القيمة، وإذا انطبعت الفطرة بالتعاليم الثابتة، وأنست بها منذ أخذت في طور التعلم، كانت أقدر على تمييز درر المباحث من حصبائها، وأدرى بالصواب والخطأ ممن ترشحت فطرته بالقضايا المنحرفة، والقصص الواهية؛ فإن الفطرة إذا تزيت بزي التلقينات الزائغة، وتلطخت بحمأتها الخبيثة، صارت مستعدة لقبول الأقوال الساقطة، وإدراجها في زمرة معلوماتها. وعلى فرض أن تمد تلك القوة عنقها لاستنتاج ما لم تتعلم، فلا تتحاشى أن تستجلب القضايا المستضعفة التي هي من نوع ما سبق لها في التلقين.
قد يتسع عقل الإنسان لإدراك مطالب يضيق عنها نظر آخر هو أقدرُ منه طى ضور مطالب أخرى. وربما كان هذا التفاضل الذي تقاسماه بينهما ناشئًا بحسب ما يتسابق إلى كل منهما، ويتجمع عنده من العلم بالمقدمات والقضايا القريبة من المطالب التي فاق قرينه في تحصيلها. ومما يضع أمامك أن الفكر قد يبلغ أشده في بعض المباحث، ويدركه الفشل في بعضها: أن قدماء الفلاسفة أقبلوا على بعض علوم؛ كالحساب والهندسة والمنطق، وأعملوا فيها الروية، فأصابوا مفاصلها بصوارم الأدلة، واستولوا على خبرة بها لا تنازعهم فيها ريبة. وهذه الأنظار التي عهدت لهم هناك بجودة التصرف