للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى غيره، فيكون سبباً لحماية نفوس كثيرة من غائلة الإسراف في الانتقام؛ كما قال تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: ٣٣].

ونقل عن العرب ما يدل على أنهم تحدثوا عن حكمة القصاص من قبل، وأبلغ كلمة عبروا بها عن هذا المعنى قولهم: "القتل أنفى للقتل"، ولكن لورود الحكمة في القرآن فضل من ناحية حسن البيان الذي يسارع بها إلى أقصى القلوب، ويجعلها مثلاً سائراً يجري على الألسنة، ويتقلب في الأندية؛ حتى يعظم أثرها في حياة المؤمنين، وإذا شئت أن تزداد خبرة بفضل بلاغة القرآن، وسمو مرتبته في حسن البيان على مرتبة ما نطق به بلغاء البشر، فانظر إلى هذه الجملة: {فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}، وإلى قولهم: "القتل أنفى للقتل"، وأقم بينهما وزناً بالقسط، فإنك تجد من نفحات الإعجاز ما ينبهك لأن تشهد الفرق بين كلام الخالق وكلام المخلوق. ومن فضل بيان الآية: أنها جعلت سبب الحياة القصاص، وهو القتل عقوبة على وجه التماثل، أما العبارة العربية، فقد جعلت سبب الحياة القتل، ومن القتل ما يكون ظلماً، فيكون سبباً للفناء لا للحياة.

وتصحيح هذه العبارة أن يقال: القتل قصاصاً أنفى للقتل ظلماً. والآية جاءت خالية من التكرار اللفظي، فعبرت عن القتل الذي هو سبب الحياة بالقصاص، والعبارة العربية كرر فيها لفظ القتل، فمسها بهذا التكرار من الثقل ما سلمت منه الآية.

ومن الفروق الدقيقة بينهما: أن الآية جعلت القصاص سبباً للحياة التي تتوجه إليها الرغبة مباشرة، والعبارة العربية جعلت القتل سبباً لنفي القتل