وفي موضع ثالث من هذا الكتاب: قلت لابن القاسم: أرأيت إن اشتريت شقصًا من دار لرجل غائب، أيكون للشفيع أن يأخذه بالشفعة، في قول مالك؟ قال: نعم، له أن يأخذ؛ لأن مالكًا يرى القضاء على الغائب.
وهذه المسائل بنصها ولفظها في كتاب المبسوط لإسماعيل القاضي، رواها عن أبي ثابت المدني عن ابن القاسم، وكان أبو ثابت من الفضلاء المتقدمين، والثقات في رواية الحديث والفقه.
وفي كتاب ابن المواز: قلت لمحمد بن المواز: فلو أن الشفيع أراد أن يأخذ بشفعته، وأنا غائب ولا وكيل لي حاضر، أكنت ترى ذلك له؟ قال: نعم إن شاء الله، أرى أن يقضي بذلك له. قال: ويوكل السلطان من يقبض الثمن لك.
وفي موضع آخر منه: قلت: أفترى للشفيع الشفعة وإن كان المشتري غائبًا؟ قال: نعم، أرى أن يقضي له بها.
فهاذ ما في الكتب المشهورة من الروايات المنصوصة، وليس لأحد خلافها والعدول عنها إلى ما ليس من بابها ولا من معناها، ومن فعل ذلك فقد أخطأ، وقصد التشغيب والتلبيس.
ومالك رحمه الله وأصحابه يرون القضاء على الغائب في الشفعة، كما ذكرنا ونصصنا، وفي المقاسمة لشركائه في الدور والرباع، ويرون القضاء عليه في الدين والنفقات التي تلزمه وتباع فيها أصوله وعقاره، ولم يختلفوا في ذلك، وإنما الذي قاله ابن القاسم عن مالك أنه لا يقضي على الغائب في الأصول - إنما يريد في استحقاق الأصول خاصة، لا فيما سوى ذلك، وهذا مسطور منصوص في الكتب المشهورة والأمهات المعروفة.
من ذلك ما وقع في مختلطة المدونة وهو: قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن دارًا في يد رجل غائب ادعى رجل أنه وارث هذه الدار مع الغائب؛ أيقبل القاضي البينة والذي الدار بيده غائب؟ قال: لا أحفظه عن مالك، إلا أني سمعت من يذكر عنه في هذا: أن الدور لا يقضي على أهلها فيها وهم غيب، وهو رأي.
قال ابن القاسم: إلا أن تكون غيبة تطول، فينظر السلطان في ذلك، مثل ما يغيب إلى الأندلس وطنجة، فيقم في ذلك الزمان الطويل، فأرى أن ينظر السلطان في ذلك