ثم قال القاري (١): فإن قلت: لم عرف الحق في الأوليين، ونكر في البواقي؟ قلت: المعرف بلام الجنس والنكرة المسافة بينهما قريبة، بل صرحوا بأن مؤداهما واحد لا فرق بينهما، إلَّا بأن في المعرفة إشارة إلى أن الماهية التي دخل عليها اللام معلومة للسامع، وفي النكرة لا إشارة إليه، وإن لم تكن إلَّا معلومة، وفي "صحيح مسلم": "قولك الحق" بالتعريف أيضًا، وقال الخطابي: عرفهما للحصر.
(ولقاؤك حق) فيه الإقرار بالبعث بعد الموت، فالمراد به لقاء الله المصير إلى دار الآخرة، وطلب ما هو عند الله، فدخل فيه الرؤية، فإن قلت: ذلك داخل تحت الوعد، قلت: الوعد مصدر، والمذكور بعد هو الموعود، أو هو تخصيص بعد تعميم.
(والجنة حق) أي نعيمها (والنار حق) أي جحيمها، وفيه إشارة إلى أنهما موجودتان (والساعة حق) أي يوم القيامة، وأصل الساعة القطعة من الزمان، وإطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور معناه أنه لا بد من كونها، وأنها مما يجب أن يصدق بها، وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد.
(اللهم لك أسلمت) أي انقدت وخضعت (وبك آمنت) أي صدقت (وعليك توكلت) أي فوضت الأمر إليك تاركًا للنظر في الأسباب العادية (وإليك أنبت) أي رجعت إليك في تدبير أمري (وبك خاصمت) أي بما أعطيتني من البرهان، ولقنتني من الحجة، وبقوتك خاصمت أعداءك (وإليك حاكمت) أي كل من جحد الحق حاكمته إليك، وجعلتك الحكم بيننا، لا من كانت أهل الجاهلية تتحاكم إليه من كاهنهم وغيره.