للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

عندنا، إن كان التفويض مطلقًا عن قرينة الطلاق، بأن قال لها: "أمرك بيدك"، ولم ينو الثلاث، أما وقوع الطلقة الواحدة؛ فلأنه ليس في التفويض ما ينبئ عن العدد.

وأما كونها بائنة؛ فلأن هذه الألفاظ جواب الكناية، والكنايات على أصلنا مبينات.

ولو قال: "أمرك بيدك" ونوى الثلاث، فطلقت نفسها ثلاثًا كان ثلاثًا؛ لأنه جعل أمرها بيدها مطلقًا، فيحتمل الواحد، ويحتمل الثلاث، فإذا نوى الثلاث فقد نوى ما يحتمله مطلق الأمر، فصحت نيته، وإن نوى اثنتين، فهي واحدة عند أصحابنا الثلاثة، خلافًا لزفر - رضي الله عنه -، ملخص ما في "البدائع" (١).

وسند هذا الحديث من قبيل "مَنْ حدَّث ونسِي"، ومذهب المحدثين فيه ما قال الحافظ في "شرح النخبة" (٢): وإن روى عن شيخ حديثًا، وجحد الشيخ مرويه، فإن كان جزْمًا كأن يقول: كذب عليَّ، أو ما رويتُ له هذا، أو نحو ذلك، فإن وقع منه ذلك رُدَّ ذلك الخبر، لكذب واحد منهما، لا بعينه، ولا يكون ذلك قادحًا في واحد منهما للتعارض، أو كان جحدُه احتمالًا كأن يقول: ما أذكر هذا، أو: لا أعرفُه، قُبلَ ذلك الحديث في الأصح؛ لأن ذلك يُحمل على نسيان الشيخ، وقيل: لا يقبل؛ لأن الفرع تبع للأصل في إثبات الحديث، بحيث إذا ثبت أصلُ الحديث تَثبتُ روايةُ الفرع، وكذلك ينبغي أن يكون فرعًا عليه وتبعًا له في التحقيق، وهذا متعقَّب بأن عدالة الفرع تقتضي صدقه، وعدمُ علم الأصل لا ينافيه، فالمثبت مقدم على النافي، انتهى.

قلت: وفي الحديث كذلك، فإن أيوب السختياني يقول: قدم علينا كثير فسألته، فقال: ما حدثت بهذا قط، فإنه أنكر جزمًا، فعلى قاعدة المحدثين يرد


(١) "بدائع الصنائع" (٣/ ١٨٠ - ١٨٧).
(٢) انظر: "شرح شرح نخبة الفكر" لملا علي القاري (ص ٦٥١ - ٦٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>