للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

عُرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة، شجرة قريبة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} إلى آخر الآيات.

وفيه إشكال وهو: أن التخيير يقتضي جواز كل واحد منهما، فكيف يجوز أن ينزل العذاب باختيار أحدهما.

والجواب عنه: أنهم خيروا بأن يختاروا من الأمرين باجتهادهم ما هو أحبّ في الحالة الموجودة عند الله تعالى، فأخطأوا بترك ما هو الأحب عنده تعالى رغبة في المال، فعوتبوا على ذلك، والأولى أن يقال: إن بعض الصحابة مالوا إلى ذلك رغبة في عرض الدنيا، فهم الذين عوتبوا بذلك خاصة دون غيرهم، يومئ إليه قوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} (١).

قال العلامة ابن القيم في "زاد المعاد" (٢): وقد تكلم الناس في أي الرأيين كان أصوب؟

فرجحت طائفة قول عمر لهذا الحديث، ورجحت طائفة قول أبي بكر لاستقرار الأمر عليه، وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلال ذلك لهم، ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب، ولتشبيه النبي - صلى الله عليه وسلم - له في ذلك بإبراهيم وعيسى، وتشبيهه لعمر بنوح وموسى، ولحصول الخير العظيم الذي حصل بإسلام أكثر أولئك الأسرى، ولخروج من خرج من أصلابهم من المسلمين، ولحصول القوة التي حصلت للمسلمين بالفداء، ولموافقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر أولًا، ولموافقة الله له آخرًا، حيث استقر الأمر على رأيه ولكمال نظر الصديق، فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخرًا، وغلبة جانب الرحمة على جانب العقوبة.

قالوا: وأما بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنما كانت رحمة لنزول العذاب لمن أراد بذلك عرض الدنيا, ولم يرد بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أبو بكر، وإن أراده بعض


(١) سورة الأنفال: الآية ٦٨.
(٢) (٣/ ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>