وكان نصرانيًّا، ودومة الجندل حصن وقرى بين الشام والمدينة، فقال خالد بن الوليد: كيف لي به وسط بلاد كلب، وإنما أنا في أناس يسير، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ستلقاه يصيد الوحش.
فلما بلغ خالدٌ قريبًا من حصنه بمنظر العين، وكانت ليلة مقمرة، والوقت صيفًا، وكان أكيدر على سطح في الحصين، ومعه امرأته الرباب الكندية، أَقْبَلَتِ البقر تحُكّ بقرونها بابَ الحصين، وأشرفت امرأته على باب الحصين، فرأت البقرة، فأبصرها أكيدر، وكان يضمر له الخيل شهرًا، فلما أبصرها نزل، فأمر بفرسه، فأسرج، وركب معه نفر من أهل بيته ومعه أخوه حسان، فلحقهم خالد وخيله، فاستأسر أكيدر وامتنع حسان، فقاتل حتى قتل، وهرب من كان معه، فدخلوا الحصين، وكان - صلى الله عليه وسلم - قال لخالد:"إن ظفرت بأكيدر لا تقتله وآت به إليَّ، فإن أَبَى فاقتله"، فطاوعه أكيدر.
وقال له خالد: هل لك أن أُجِيْرَك من القتل حتى آتيَ بك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على أن تفتحَ لي دومةَ الجندل؟ قال: نعم، لك ذلك، فلما صالح خالدٌ أكيدرَ، وأكيدر في وثاق، ومصاد أخو أكيدر في الحصين، أبى مصاد أن يفتح باب الحصين لما رأى أخاه في الوثاق، فطلب أكيدر من خالد أن يصالحه على شيء حتى يفتح له باب الحصين، وينطلق به وبأخيه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيحكم فيهما بما شاء، فَرَضِيَ خالدٌ بذلك، فصالحه أكيدر على ألفي بعير، وثمانمائة فرس، وأربعمائة درع، وأربعمائة رمح، ففعل خالد، وخَلّى سبيله، ففتح له باب الحصين فدخله، وحقن دمه ودم أخيه، وانطلق بهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، فلما قدم بهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، صالحه على إعطاء الجزية، وخَلّى سبيلهما، وكتب (١) لهما كتاب أمان.
(١) قال القاري (٧/ ٦١١): ثم أسلم وحسن إسلامه. (ش).