للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتوقي، ومن تأمل كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه وإنصافه، فإنَّ أكثرَ ما يقولُ: منكر الحَدِيث، سكتوا عنه، فيه نظر، تركوه ونحو هذا، وقلَّ أن يقولَ: فلان كذاب، أو يضع الحَدِيث، بل إذا قَالَ ذلك عزاه إلى غيره بقوله: كذبه فلان، رماه فلان بالكذب، حتى أنه قَالَ: من قلتُ فيه في حديثه نظر فهو متهم، ومن قلتُ فيه منكر الحَدِيث فلا تحل الرواية عنه)) (١).

قَالَ الذهبيّ: ((وَقَالَ بكر بن منير: سمعتُ أبا عبد الله البخاري يقولُ: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً، قلتُ: صَدَقَ رحمه الله، ومَنْ نَظَرَ في كلامهِ في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه فإنه أكثر ما يقول: منكر الحَدِيث، سكتوا عنه، فيه نظر، ونحو هذا وقلّ أن يقول: فلان كذاب، أو كان يضع الحَدِيث، حتى إنه قَالَ: إذا قلت فلان في حديثه نظر فهو متهم واه، وهذا معنى قوله: لا يحاسبني الله أني اغتبت أحداً، وهذا هو والله غاية الورع)) (٢).

والبخاريّ إنما حَكَمَ عليه بناءً على تتبع أحاديثه والنظر فيها وهذه طريقة كبار النقاد، كما قالَ ابنُ أبي حَاتِم: ((سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيث رَوَاهُ عَبْدُالْكَرِيمِ بنُ عبد الكريم النَّاجِي، عَنْ الحَسَنِ بن مُسْلِم، عَنْ الحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ حَبَسَ الْعِنَبَ أَيَّامِ الْقِطَافِ لِيَبِيعَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ إِلاّ كَانَ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَقْتٌ، قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيث كَذِبٌ باطلٌ، قُلْتُ: تَعْرِفُ عَبْدَ الْكَرِيمِ هَذَا؟ قَالَ: لا، قُلْتُ: فتَعْرِفُ الحَسَنَ بنَ مُسْلِم؟ قَالَ: لا، ولكَنْ تَدُلُ رِوَايَتُهُمْ عَلَى


(١) تغليق التعليق (٥/ ٣٩٧).
(٢) سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٣٩).

<<  <   >  >>