والجملة قائمة مقام الفاعل وأن يكون العزيز الحكيم خبرين أو نعتين والجملة من قوله تعالى:
{له ما في السموات} أي: من الذوات والمعاني {وما في الأرض} كذلك خبر أول أو ثان على حسب ما تقدم في العزيز الحكيم، قال الزمخشري: لم يقل تعالى أوحى إليك ولكن قال: يوحي إليك على لفظ المضارع ليدل على أن إيحاء مثله عادة وكونه عزيزاً يدل على كونه قادراً على ما لا نهاية له، وكونه حكيماً يدل على كونه عالماً بجميع المعلومات غنياً عن جميع الحاجات وقوله تعالى:{ما في السموات وما في الأرض} يدل على كونه متصفاً بالقدرة الكاملة النافذة في جميع أجزاء السموات والأرض على عظمتها وسعتها بالإيجاد والإعدام وأن ما في السموات وما في الأرض خلقه وملكه.
ولما كان العلو مستلزماً للقدرة قال تعالى:{وهو العلي} على كل شيء علو رتبة وعظمة ومكانة لا علو مكان وملابسة {العظيم} بالقدرة والقهر والاستعلاء وقوله تعالى:
{تكاد السموات} قرأه نافع والكسائي بالياء التحتية، والباقون بالفوقية وقوله تعالى {يتفطرن} أي: يشققن قرأه شعبة وأبو عمرو بعد الياء بنون ساكنة وكسر الطاء مخففة، والباقون بعد الياء بتاء فوقية مفتوحة وفتح الطاء مشددة وقوله تعالى:{من فوقهن} في ضميره ثلاثة أوجه؛ أحدها: أنه عائد على السموات أي: كل واحدة منهن تنفطر فوق التي تليها من عظمة الله تعالى أو من قول المشركين: {اتخذ الله ولداً}(الكهف: ٤)
كما في سورة مريم أي: يبتدئ انفطارهن من هذه الجهة فمن: لابتداء الغاية متعلقة بما قبلها، الثاني: أنه يعود على الأرضين لتقدم ذكر الأرض، الثالث: أنه يعود على فرق الكفار والجماعات الملحدين قاله الأخفش الصغير، وقال الزمخشري: كلمة الكفر أي: على التفسير الثاني إنما جاءت من الذين تحت السموات فكان القياس أن يقال: ينفطرن من تحتهن أي: من الجهة التي جاءت منها الكلمة ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق، كأنه قيل: يكدن ينفطرن أي: من الجهة التي فوقهن دون الجهة التي تحتهن، ونظيره في المبالغة قوله عز وجل {يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم}(الحج: ١٩ ـ ٢٠)
فجعل الحميم مؤثراً في أجزائهم الباطنة ا. هـ.
ولما بين تعالى أن سبب كيدودة انفطارهن جلال العظمة التي منها كثرة الملائكة وشناعة الكفر، بين لها سبباً آخر وهو عظم قول الملائكة فقال تعالى:{والملائكة يسبحون} أي: يوقعون التنزيه لله تعالى متلبسين {بحمد ربهم} أي: بإثبات الكمال للمحسن إليهم تسبيحاً يليق بحالهم فلهم بذلك زجل وأصوات لا تحملها العقول ولا تثبت لها الجبال.
تنبيه: عدل عن التأنيث ولم يقل يسبحن مراعاة للفظ التذكير وضمير الجمع، إشارة إلى قوة التسبيح وكثرة المسبحين، فإن قيل: قوله تعالى: {ويستغفرون لمن في الأرض} عام فيدخل فيه الكفار ولقد لعنهم الله تعالى فقال سبحانه: {أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}(البقرة: ١٦١)
فكيف يكونون لاعنين لهم ومستغفرين لهم؟ أجيب: بوجوه؛ الأول: أنه عام مخصوص بآية غافر {ويستغفرون للذين آمنوا}(غافر: ٧) ، الثاني: أن قوله تعالى: {لمن في الأرض} لا يفيد العموم لأنه يصح أن يقال استغفروا لبعض من في الأرض دون البعض ولو كان صريحاً في العموم لما صح ذلك، الثالث: يجوز أن يكون المراد بالاستغفار أن لا يعاجلهم