أي: يجدد إحياءها في كل وقت يشاؤه {وهو} وحده {على كل شيء قدير} فهو الحقيق بأن يتخذ ولياً دون من لا يقدر على شيء.
ولما منع تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يحمل الكفار على الإيمان، منع المؤمنين أن يشرعوا معهم في المخاصمات والمنازعات بقوله تعالى:
{وما اختلفتم} أي: أنتم والكفار {فيه من شيء} أي: من أمور الدنيا أو الدين {فحكمه إلى الله} أي: مفوض إلى الذي هو الولي لا غيره، يميز المحق من المبطل بالنصر والإثابة والمعاقبة، وقيل: ما اختلفتم فيه من تأويل المتشابه فارجعوا فيه إلى المحكم من كتاب الله {ذلكم الله} أي: المحيط بجميع صفات الكمال {ربي} أي: الذي لا مربي لي غيره في ماض ولا حال ولا استقبال {عليه} أي: وحده {توكلت} أسلمت جميع أمري {وإليه} لا إلى غيره {أنيب} أي: أرجع بالتوبة إذا قصرت في شيء من فروع شرعه وأرجع إلى كتابه إذا نابني أمر من الأمور فأعرف منه حكمة فافعلوا أنتم كذلك واجعلوه الحكم تفلحوا ولا تعدلوا عنه في شيء من الأشياء تهلكوا، وقوله تعالى:
{فاطر} أي: مبدع {السموات والأرض} خبر آخر لذلكم أو مبتدأ خبره {جعل لكم} أي: بعد أن خلقكم من الأرض {من أنفسكم أزواجاً} حيث خلق حواء من ضلع آدم فيكون بالسكون إليها بقاء نوعكم {ومن} أي: وجعل لكم أي: لأجلكم من {الأنعام} التي هي أموالكم وجمالكم وبها أعظم أقواتكم {أزواجاً} أي: ذكوراً وإناثاً يكون بها أيضاً بقاء نوعها {يذرؤكم} بالمعجمة أي: يخلقكم ويكثركم من الذرء وهو: البث {فيه} أي: في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام أزواجاً ليكون بينهم توالد فإنه كالمنبع للبث والتكثير فالضمير للأناسي والأنعام بالتغليب، واختلف في الكاف في قوله تعالى:{ليس كمثله شيء} فجرى الجلال المحلي على أنها زائدة لأنه تعالى لا مثل له، وجرى غيره على أنها ليست زائدة لأنه إذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه عنه أولى، وحاصله كما قال التفتازاني: إن قولنا ليس كذاته شيء وقولنا ليس كمثله شيء عبارتان كلاهما من معنى واحد وهو نفي المماثلة عن ذاته، الأولى صريحاً والثانية كناية مشتملة على مبالغة، وهي أن المماثلة منفية عمن يكون مثله وعلى صفته فكيف عن نفسه وهذا لا يستلزم وجود المثل، ألا ترى أن قولهم مثل الأمير يفعل كذا ليس اعترافاً بوجود المثل له، فالمعنى هنا: أن مثل مثله تعالى منفي فكيف بمثله، وأيضاً مثل المثل مثل فيلزم من نفيه نفيهما، وقال البغوي: المثل صلة أي: ليس كهو شيء فأدخل المثل للتوكيد، كقوله تعالى {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به}(البقرة: ١٣٧)
وهذا كالتأويل الأول وقيل: إن المراد بالمثل الصفة وذلك أن المثل بمعنى المثل، والمثل الصفة كقوله تعالى:{مثل الجنة}(الرعد: ٣٥)
فيكون المعنى: ليس كصفته تعالى شيء من الصفات التي لغيره، وأما قوله تعالى:{وله المثل الأعلى}(الروم: ٢٧)
فمعناه أن له الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله ولا يشاركه فيه أحد {وهو} أي: والحال أنه هو لا غيره {السميع البصير} أي: الكامل في السمع والبصر بكل ما يسمع ويبصر، فإن قيل: هذا يفيد الحصر مع أن العباد أيضاً موصوفون بكونهم سميعين بصيرين؟ أجيب: بأن السمع والبصر لفظان مشعران بحصول هاتين الصفتين على سبيل الكمال كما مر، والكمال في كل الصفات ليس إلا لله تعالى فهذا هو المراد من هذا الحصر.