تعالى: {وكان الله غفوراً رحيماً} (الفتح، ١٤)
وقال: {وكان الله عزيزاً حكيماً} (الفتح، ١٩)
فكأنه كان ثم مضى، فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون في النفخة الأولى قال: {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض} {فلا أنساب} عند ذلك {ولا يتساءلون} ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون في النفخة الآخرة {ثم أقبل بعضهم على بعض يتساءلون} (المؤمنون، ١٠١)
وأمّا قوله: والله ربنا ما كنا مشركين، ولا يكتمون الله حديثاً، فإنّ الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فقال المشركون: تعالوا نقل: لم نك مشركين، فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم وأرجلهم فعند ذلك عرفوا أنّ الله لا يكتم حديثاً، وعنده يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض، وخلق الأرض في يومين، ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهنّ في يومين آخرين، ثم دحا الأرض في يومين ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فقال: خلق الأرض في يومين فخلقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلقت السموات في يومين، وكان الله غفوراً رحيماً أي: لم يزل كذلك، فلا يختلف عليك القرآن فإنّ كلاً من عند الله.
{يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة} أي: لا تغشوها ولا تقوموا إليها واجتنبوها {وأنتم سكارى} من الشراب {حتى تعلموا ما تقولون} بأن تصحوا منه كقوله تعالى: {ولا تقربوا الزنا} (الإسراء، ٣٢)
{ولا تقربوا الفواحش} (الأنعام، ١٥١) .
روي أنّ عبد الرحمن بن عوف صنع طعاماً وشراباً فدعا نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان الخمر مباحاً فأكلوا وشربوا فلما سكروا جاء وقت صلاة المغرب فقدّموا أحدهم يصلي بهم فقرأ: قل يأيها الكافرون أعبد ما تعبدون بحذف لا هكذا إلى آخر السورة فنزلت، فكانوا لا يشربونها في أوقات الصلاة، فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون، ثم نزل تحريمها.v
وقيل: أراد بالصلاة مواضعها وهي المساجد. وقيل: أراد بالسكر سكر النوم ونهى عن الصلاة عند غلبة النوم قال صلى الله عليه وسلم «إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإنّ أحدكم إذا صلى وهو ينعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه» .
وقوله تعالى: {ولا جنباً} منصوب على الحال أي: ولا تقربوا الصلاة وأنتم جنب بإيلاج أو إنزال، يقال: رجل جنب وامرأة جنب ورجال ونساء جنب؛ لأنه يجري مجرى المصدر لا أنه مصدر بل هو اسم مصدر؛ لأنه لم يستوف حروف الفعل؛ لأنّ فعله أجنب فمصدره إجناباً لا جنباً، وأصل الجنابة البعد وسمي جنباً؛ لأنه يجتنب موضع الصلاة أو لمجانبته الناس وبعده منهم حتى يغتسل {إلا عابري} أي: مجتازي {سبيل} أي: طريق أو مسافرين {حتى تغتسلوا} أي: فلكم أن تصلوا، واستثناء المسافر له حكم آخر سيأتي.
وفي هذا دليل على أن التيمم لا يرفع الحدث؛ لأنه غياه بقوله: (حتى تغتسلوا) ومن فسر الصلاة بمواضعها فسر عابري سبيل بالمجتازين فيها وجوّز للجنب عبور المسجد، وبه قال الشافعيّ رضي الله تعالى عنه، وقال أبو حنيفة: لا يجوز له المرور إلا إذا كان فيه الماء أو الطريق إلى الماء {وإن كنتم مرضى} أي: مرضاً يخاف معه من استعمال الماء فإنّ الواجد كالفاقد {أو على سفر} أي مسافرين وأنتم جنب أو محدثون {أو جاء أحد منكم من الغائط} أي: أحدثتم