للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عدة أعمدة وعليها بوائك مقوصرة ترى من مسافة بعيدة فى البر والبحر، وبها عدة مجالس ومخادع ولواوين وفسحات علوية وسفلية، وجميع ذلك مفروش بالبلاط الكدان.

وبنى بداخل تلك الدار بشاطئ النيل رصيفا متينا ومصاطب يجلس عليها فى بعض الأوقات، وأنشأ عدة مراكب تسمى الخرجات ولها شراعات وقلاع عظيمة وعليها رجال غلاظ شداد فإذا مرت بهم سفينة صاعدة أو حادرة صرخوا عليها قائلين البر، فإن امتثلوا وحضروا أخذوا منهم ما أحبوه من حمل السفينة وبضائع التجار وإن تأخروا عن الحضور قاطعوا عليهم بالخرجات فى أسرع وقت، وأحضروهم صاغرين وأخذوا منهم أضعاف ما كان يؤخذ منهم لو حضروا طائعين من أول الأمر.

وكان له قواعد وأغراض وركائز وأناس من الأمراء وأعوانهم بمصر، يراسلهم ويهاديهم فيذبون عنه ولا يسمعون فيه شكوى، وكان له عدة من العبيد السود الفرسان ملازمين له مع كل واحد حرمدان (١) مقلد به ملآن بالدنانير الذهب، وكان لا يبيت فى داره ويأتى فى الغالب بعد الثلث الأخير، فيدخل إلى حريمه حصة ثم يخرج بعد الفجر، فيعمل ديوانا ويحضر بين يديه عدة من الكتبة ويتقدم إليه أرباب الحاجات ما بين مشايخ بلاد وأجناد وملتزمين وغير ذلك.

والجميع وقوف بين يديه والكتاب يكتبون الأوراق والمراسلات إلى النواحى، وغالب بلاد القليوبية والشرقية تحت حمايته وحماية أقاربه وأولاده، ولهم فيها الشركات والزروع والدواوير الواسعة المعروفة بهم، والمميزة عن غيرها بالعظم والضخامة، ولا يقدر ملتزم ولا قائم مقام على تنفيذ أمر مع فلاحيه إلا بإشارته أو بإشارة من بالبلد فى حمايته من أقاربه، وكذلك مشايخ البلاد مع أستاذيهم.

وكان لهم طريق وأوضاع فى الملابس والمطاعم فيقول الناس: سرج حبايبى، وشال حبايبى، ومركوب حبايبى، إلى غير ذلك، وكان مع شدة مراسه وقوّة بأسه،


(١) الحرمدان: حقيبة السّفر؛ المحفظة الخاصة التى يحمل فيها الفرد أوراقه ونقوده، وتطلق أيضا على حقيبة الحلاق (العصر المملوكى فى مصر والشام). د. سعيد عاشور ط. دار النهضة العربية سنة ١٣٩٦.