للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"إلى غير ذلك مما يحصِّله لك تأملُك جُمَلَ المحاسن وتفصيلَها، وتتبعُك ما يُضادُّها وينافيها، وهذا هَيِّنٌ قريب" (١)،

أي أن المحاسنَ وأضدادَها لا تنحصر فيما ذكره، فقد تُذكرُ بعضُ المحاسنِ ولا تُذكرُ أضدادُها، وقد تُذكرُ بعضُ العيوب ولا تُذكرُ محاسنُ الخلوِّ عنها. والتأملُ في الجميع يحصل للمتأمل انتباهًا إلى إدراك ما عسى أن يغفلَ عنه.

واسم الإشارة في قوله: "وهذا هَيِّنٌ"، راجعٌ إلى المذكور آنفًا من قوله: "واعلم أنه قد يعرف الجيد من يجهل الرديء" إلى قوله: "وهذا هين قريب"، يعني أنه إنما اهتم ببيان المقابح إجمالًا ثم تفصيلًا، لتكون نموذجًا من علل النقد وأسباب السقوط، بحيث يتمكن مزاولُها والمتأملُ فيها وفي ما يماثلها أن يبين وجهَ رَدَاءَةِ ما يحكم برداءته من الشعر؛ لأن بيانَ أسباب الرداءة أيسرُ من بيان أسباب الجودة. وقد تقدم قولُ الآمدي في الموازنة: "وأُبِينُ الرديء وأرذله" (٢).

"وإنما قلت هذا؛ لأن ما يختاره الناقد الحاذق قد يتفق فيه ما لو سئل عن سبب اختياره إياه، وعن الدلالة عليه، لم يمكنه في الجواب إلا أن يقول: هكذا قضيةُ طبعي، أو ارجع إلى غيري ممن له الدربةُ والعلم بمثله، فإنه يحكم بمثل حكمي. وليس كذلك ما يسترذله النقد، أو ينفيه الاختيار؛ لأنه لا شيءَ من ذلك إلا ويمكن التنبيهُ على الخلل فيه، وإقامةُ البرهان على رداءته، فاعلمه" (٣)،

مُرادُ المؤلف بقوله: "لأنه لا شيء إلا ويمكن التنبيه على الخلل فيه وإقامة البرهان على رداءته فاعلمه"، إظهارُ الفرق بين حالة الحكم بالإجادة وحالة الحكم بالرداءة، فإن الأولى قد يكون الرجوع فيها إلى الطبع والذوق، وإن الثانية لا يعسر


(١) نشرة هارون، ج ١، ص ١٥.
(٢) الآمدي: الموازنة، ج ١، ص ٤١١.
(٣) نشرة هارون، ج ١، ص ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>