للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معها الاحتجاج بعلة الرداءة. ولعله يشير بقوله "فاعلمه" إلى الرد على الآمدي، إذ سوّى بين الحالتين في الموازنة، فقال: "وأذكر من علل الجميع ما ينتهي إليه التخليص، وتحيط به العناية. ويبقى ما لا يمكن إخراجه إلى البيان، ولا إظهاره بالاحتجاج. وهو علة ما لا يعرف إلا بالدُّرْبة، ودائم التجربة، وطول الملابسة. وبهذا يفضل أهلُ الحذاقة بكل علم وصناعة مَنْ سواهم ممن نقصت تجربتُه وقلت دربتُه" (١).

وأما قوله: "فاعلمه"، فإشارةٌ إلى إبطال قول سائله: "مع أنه لا فضيلةَ لذلك ولا نقيصةَ لهذا إلا ما فاز به من الجَدِّ عند الاصطفاء والقَسْم". وقد اكتفى بهذه الإشارة؛ لأن فيها بسطًا من القول في أسباب التفاضل والاختيار، غنيَّة عن التصريح بالإبطال. وقد تقدم ذلك عند شرح قول المرزوقي: "وأما غلب على ظنك من أن اختيار الشعراء موقوف على الشهوات. . ." إلخ.

"وأما تمنيك معرفة السبب في تأخر الشعراء عن رتبة الكتاب والبلغاء والعذر في قلة المترسلين وكثرة المفلقين والعلة في نباهة أولئك وخمول هؤلاء ولماذا كان أكثر المفلقين لا يبرعون في إنشاء الكتب وأكثر المترسلين لا يفلقون في قرض الشعر فإني أقول في كل ذلك (٢) بما يحضر، والله ولي توفيقي وهو حسبي وعليه توكلي" (٣)،

جمع المؤلف هذه الأسئلة جمعًا واحدًا؛ لأنه أراد الجوابَ عنها برُمتها، إذ كان بيانُ أسبابها آخِذًا بعضُه بحُجَزِ بعض، كما سيأتي. واعلم أن هذا البحث خارجٌ عن مقام النقد إلى ميدان التفاضل بين الصناعتين وأهلهما، اقتضاه الجوابُ عما أورده السائل.


(١) الآمدي: الموازنة، ج ١، ص ٤١١. وانظر أوجه الاختلاف بين النسخ في بعض الألفاظ كما أثبتها محقق الكتاب في الحاشية.
(٢) كذا في نشرة الدكتور شكري فيصل غير مثبت اختلاف النسخ. والذي في نسخة الآستانة ونسختَيْ تونس: "فإني أقول في كل فصل من ذلك". - المصنف. أقول: وما ذكره المصنف هو ما أثبته الأستاذ عبد السلام هارون في تحقيقه.
(٣) نشرة هارون، ج ١، ص ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>