للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١)}.

في هذه الآيات: إِخْبَارٌ من الله تعالى عن عميق كفر المشركين وشدة عنادهم ومكابرتهم للحق وجدالهم المتخبط كقلوبهم: فلو شاهدوا الوحي النازل عليك يا محمد في قرطاس يمسونه بأيديهم لاتهموا ذلك بالسحر. ثم سألوك أن ينزل ملك من السماء يشهد لك بصدق ما يوحى إليك، ولو أنزلنا ملكًا كما سَأَلوا ثم كفروا لَعَاجَلَهُم العذاب والخزي ولم يُنْظَروا حتى يتوبوا، ولو كان النازل إلى البشر رسولًا ملكِيًّا لكان على هيئة رجل ليُفهم منه وينتفع بمخاطبته، وحينئذ يلتبس عليهم أمره، فلم يدروا أمَلَكٌ هو أم إنسيّ! فلم يوقنوا به أنه ملك، وللبسنا عليهم ما يلبسونه على أنفسهم من حقيقة أمرك، وصحة برهانك على نبوتك. فلا تحزن يا محمد، فلقد تعرض إخوتك الرسل قبلك إلى استهزاء المعانادين، حتى نزل بالمستهزئين سوء الوبال، وهذه الأرض تشهد بمواقع تلك الأمم ومساكن تلك الأقوام التي كذبت فَدَمَّرَ الله عليهما، فسيروا في الأرض فانظروا كيف كانت خاتمتها.

فقوله: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ}.

قال قتادة: {فِي قِرْطَاسٍ}، يقول: في صحيفة). وقال السدي: (الصحف).

قال ابن عباس: (يقول: لو نزلنا من السماء صُحُفًا فيها كتاب فلمسوه بأيديهم، لزادهم ذلك تكذيبًا). وقال مجاهد: ({كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ}، قال: فمسّوه ونظروا إليه، لم يصدِّقوا به). وقال قتادة: (فعاينوه معاينة).

وقوله: {لَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}.

قال شيخ المفسرين -الإمام ابن جرير-: (أي: ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر سحَرْتَ به أعيننا، ليست له حقيقة ولا صحة، {مُبِينٌ}، يقول: مبين لمن تدبّره وتأمَّله أنه سحر لا حقيقة له).

وفي التنزيل: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: ١٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>