في هذه الآيات: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بربهم المشركين في عبادته: لمن ملك هذه السماوات والأرض وما فيها؟ ثم أخبرهم أن ذلك للملك سبحانه الذي قهر بسلطانه وجبروته كل شيء لا للأوثان والطواغيت، وقد مضى أنه بعباده رؤوف رحيم، لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم التوبة والإنابة، وليجمعنكم أيها العادلون بالله، ليوم القيامة لينتقم منكم بكفركم به، فالذين أهلكوا أنفسهم بالشرك فخسروها بغبنهم إياها حَظّها لا يصدقون بالمعاد ولا يستعدون لشر ذلك اليوم. إن الله الذي تشركون به -أيها القوم- ملك كل شيء، له ما استقر في الليل والنهار وهو السميع لما تقولون، العليم بما تُضْمِرون وَتبَيِّتُون. فكيف استنصر غيره واستعينه على النوائب والحوادث وهو مبدع السماوات والأرض، ويَرْزُق ولا يُرْزَق، بل إني أمرت أن أكون أوّل من خضع له بالعبودية والتعظيم، وأن أجتنب أن أكون من المشركين. ثم قل لهم يا محمد: إني أخاف إن عبدت غيره سوء يوم عظيم، لا ينجو من عذابه ومصائبه إلا من رحمه ربه وذلك الفوز المبين.
فقوله:{كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} - أي وعد بها فضلًا وكرمًا، ولذلك يمهل عباده ويعطيهم فرصة ليتداركوا أنفسهم بالاستغفار والتوبة.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: [إنَّ الله لَمَّا خلق الخلقَ كتب كتابًا عنده فوق العرش، إنَّ رحمتي تَغْلِبُ غضبي](١).
قال ابن جرير:(وهذه اللام التي في قوله: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ}، لام قسم).
وقال ابن كثير:(هذه اللام هي الموطئة للقسم، فأقسم بنفسه الكريمة ليجمعنَّ عباده لميقات يوم مِعلوم، وَهُوَ يَوْمُ القيامة الذي لاريبَ فيه، ولا شكَّ عند عباده المؤمنين، فأما الجاحدون المكذبون فهم في ريبهم يتردّدون).