وتمتعوا بنعم ربكم، فَمَلُّوا ذلك، وتنطعوا وقالوا: لن نصبر على طعام واحد، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وما ظلمونا بذلك، فَمُلْكُ الله لا يدخله النقص وسلطانه لا يعتريه الضعف، فإن سؤالهم ذلك وفعلهم ذلك انعكس على حظوظهم ونفوسهم بالسوء فانقلبت النعمة التي جحدوها إلى نقمة. واذكر أيضًا يا محمد إذ قيل لهم اسكنوا بيت المقدس فكلوا من ثمارها وحبوبها ونباتها أنّى شئتم وقولوا: هذه الفعلة "حِطّة" تحطُّ ما أسلفنا من ذنوبنا، يتغمدّ الله ذلك الذي كان منكم من المعصية والذنوب برحمته، ويتجاوز عنه بكرمه وصفحه وعفوه، {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}، فدخلوا متوّركين على أستاههم، ولو فعلوا ما أمروا به لحظوا بمغفرة الله وكرمه على التائبين المحسنين. فلما غيّر القوم ما قيل لهم، وقالوا استهزاء "حنطة في شعيرة"، فبعث الله عليهم عذابًا من عنده أهلكهم فيه وجعلهم عبرة لغيرهم بما كانوا يظلمون.
وقد بسطت في ذلك القول عند تفسير نظائر هذه الآيات في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته.
وقد أخرج البخاري في صحيحه عن مَعْمَر، عن هَمَّام بن مُنَبِّه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [قيل لبني إسرائيل: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ}. فدخلوا يزحفون على أستاههم، فبدّلوا وقالوا: حِطّة: حَبَّةٌ في شَعَرة] (١).