في هذه الآيات: توجيه الله تعالى نبيّه - صلى الله عليه وسلم - لأخذ العفو والإعراض عن سلوك الجاهلين. وإلى الاستعاذة به من شر وساوس الشيطان الرجيم. وتلك صفة ملازمة للقوم المتقين، كلما مسَّهم نزغ من الشيطان اللعين. وأما شياطين الإنس فهم إخوان الشياطين، تمدهم شياطين الجن بالغي والضلال فهم لهم منقادون طائعون. وإذا دُعوا إلى الإيمان طالبوا بالمعجزات والخوارق شأن الأمم قبلهم، ثم استكبروا بعد ظهورها وبيانها، فقل لهم - يا محمد - إن هذا القرآن هو أكبر معجزة إلى قيام الساعة، وقد أمر تعالى بالإصغاء لآياته إذا تليت، والإنصات الجميل لتدبر معانيه إذا سمعت، كما أمر بإخفاء الذكر والدعاء، وعدم الاعتداء في التوسل والرجاء، وحث على العبادة أوائل النهار وأواخره، والاقتداء بالملائكة الكرام في عبادتهم المستمرة وسجودهم وركوعهم وتعظيمهم لله رب العالمين.
فقوله:{خُذِ الْعَفْوَ} - فيه أقوال:
١ - عن مجاهد:{خُذِ الْعَفْوَ}، قال: خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تحسس).
وقال:({خُذِ الْعَفْوَ}، قال: عفو أخلاق الناس، وعفوَ أمورهم). وقال عروة:(أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ العفو من أخلاق الناس). وعن ابن الزبير قال:(ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}، الآية).
٢ - عن ابن عباس: (قوله: {خُذِ الْعَفْوَ}، يعني خذ ما عفا لك من أموالهم، وما أتوك به من شيء فخذه. فكان هذا قبل أن تنزل "براءة" بفرائض الصدقات وتفصيلها، وما انتهت الصدقات إليه). وقال السدي:(أما {العفو}، فالفضل من المال، نسختها الزكاة). وقال الضحاك:{خُذِ الْعَفْوَ}: أَنْفِق الفَضْل).
٣ - قال ابن زيد:({خُذِ الْعَفْوَ}، قال: أمره فأعرض عنهم عشر سنين بمكة. قال: ثم أمره بالغلظة عليهم، وأن يقعد لهم كل مَرْصد، وأن يحصرهم). واختاره ابن جرير.