قال الحافظ ابن كثير:(أي: أنا لا أتقدم إليه تعالى في شيء، وإنما أتبعُ ما أمرني به فأمتثل ما يوحيه إليَّ فإن بعث آية قبلتها، وإن منعها لم أسأله ابتداءً إياها، إلا أن يأذن لي في ذلك، فإنه حكيم عليم. ثم أرشدهم إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات وأبين الدلالات وأصدق الحجج والبيانات، فقال:{هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}).
أمْرٌ من الله تعالى بالإصغاء لكتابه العظيم إذا تليت آياته، والإنصات الجميل لتدبر معانيه وتفهم مواعظه وَحِكَمه، فإن في ذلك مظنة نزول رحمة الله على الممتثلين الطائعين. وتفصيل ذلك:
١ - هذه الصفة التي يأمر الله تعالى المؤمنين بالتحلي بها، هي مضادة لسلوك الكافرين حين سماعهم القرآن، إذ يقولون:{لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ}[فصلت: ٢٦].
٢ - يتأكد امتثال هذا النعت أثناء صلاة الجماعة حين يجهر الإمام بالقراءة.
ففي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [إنما جُعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قرأ فأنصتوا](١).
وفي مسند أحمد عن أبي هريرة: [أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف في صلاة جَهَرَ فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ أحد منكم معي آنفًا؟ قال رجل: نعم يا رسول الله. فقال: إني أقول: ما لي أنازعُ القرآنَ؟ ! قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر
(١) حديث صحيح. انظر صحيح مسلم - حديث رقم - (٤٠٤) - كتاب الصلاة. باب التشهد في الصلاة.