قال ابن كثير:(حذّر تعالى عباده من اتخاذ الأيمان دخلًا، أي: خديعةً ومَكْرًا، لئلا تَزِلَّ قدمٌ بعد ثبوتها، مثل لمن كان على استقامةٍ فحادَ عنها وزَلَّ عن طريق الهدى، بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصدِّ عن سبيل الله، لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غَدَر به لم يبق له وثوقٌ بالدين، فانصدّ بسببه عن الدخول في الإسلام، ولهذا قال:{وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}).
وقوله تعالى:{وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. قال القاسمي:(أي: لا تستبدلوا بعهد الله وبيعة رسوله عرضًا من الدنيا يسيرًا. وهو ما كانت قريش يَعِدُونهم ويمنونهم، إن ارتدوا {إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} أي من إظهاركم في الدنيا وإثابتكم في الآخرة {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي من ذوي العلم والتمييز).
وقوله تعالى:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. أي: كل ما عندكم أيها الناس وإن كَثُرَ لنافد فانٍ، وما عند الله خير وأبقى لمن صبر وعمل صالحًا، وليثيبَنَّ الله الذين صبروا بأجر أحسن أعمالهم. قال ابن جرير:(يقول تعالى ذكره: وليثيبن الله الذين صبروا على طاعتهم إياه في السّراء والضّراء، ثوابهم يوم القيامة على صبرهم عليها، ومسارعتهم في رضاه، بأحسن ما كانوا يعملون من الأعمال دون أسوئها، وليغفرن الله لهم سيئها بفضله).