أي: إن ذلك من فعل الله تعالى بحكمته وعلمه ينسخ ما يشاء من الآيات والأحكام ويثبت ما يشاء. ولكن ضعف عقول المشركين يحملهم على اتهام الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأكثرهم جاهلون. قال ابن زيد:(قالوا: إنما أنت مفتر، تأتي بشيء وتنقضه، فتأتي بغيره. قال: وهذا التبديل ناسخ، ولا نبدّل آية مكان آية إلا بنسخ).
وقوله:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}. أي: نزل به جبريل عليه السلام من عند ربه سبحانه بالصدق والعدل. قال محمد بن كعب:(روح القُدس: جبرئيل).
وقوله:{لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}. قال ابن كثير:({لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا}، فَيُصدِّقوا بما نزل أولًا وثانيًا وتُخْبِتَ له قلوبهم، {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}، أي: وجعله هاديًا وبشارة للمسلمين الذين آمنوا بالله ورسله).
اتهام للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأخذ العلم عن بعض الأعاجم، فكذبهم الله تعالى.
أخرج ابن جرير - ورجاله رجال الصحيح - عن حُصين - وهو ابن عبد الرحمن - عن عبد الله بن مسلم الحضرمي: [أنه كان لهم عبدان من أهل عير اليمن، وكانا طفلين، وكان يُقال لأحدهما يسار، والآخر جبر، فكانا يقرآن التوراة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربما جلس إليهما، فقال كفار قريش: إنما يجلس إليهما يتعلم منهما، فأنزل الله تعالى:{لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}] (١).
قال ابن جرير:(يقول الله تعالى ذكره مكذّبهم في قيلهم ذلك: ألا تعلمون كذب ما تقولون، إن لسان الذي تلحدون إليه، يقول: تميلون إليه بأنه يعلم محمدًا أعجميّ. . يقول: وهذا القرآن لسان عربي مبين).
(١) أخرجه ابن جرير في "التفسير" (٢١٩٣٨)، ورجاله رجال الصحيح إلا المثنى فيه كلام. قال الحافظ في "الإصابة": سنده صحيح، وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، رواه الحاكم وصححه. وانظر: "الصحيح المسند من أسباب النزول" - الوادعي - النحل، (١٠٣).