والإدراك مع مشاركة من الدماغ والعقل، كما تتأثر بها النفس والأحاسيس والمشاعر، والدليل عندي حديث البراء السابق وفيه: [وإن العبد الكافر (وفي رواية الفاجر) إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكةٌ، غلاظٌ شدادٌ، سودُ الوجوه، معهم المسوح من النار فيجلسون منه مدّ البصر، ثم يجيءُ ملك الموت حتى يجلسَ عند رأسهِ، فيقولُ: أيتها النفسُ الخبيثة اخرجي إلى سخط من اللَّه وغضب، قال: فتفرّق في جسدهِ، فينتزعها كما يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ الكثير الشعب من الصوف المبلول، فتقطع معها العروق والعصب]. فإن الروح سُحبت من بين هذه الشبكة المتكاملة التي تقطعت. وهذا ما وُفِّقْتُ له من الربط بعون اللَّه، وما رأيتهُ في تفسير قبل ذلكَ وربما فتح وإلهام لم أسبق إليه واللَّه تعالى أعلم إذ يقول:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: ٨٥].
وقوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. قال ابن جرير:(إن في قبض اللَّه نفس النائم والميت وإرسالهُ بعدُ نفسَ هذا ترجع إلى جسمها وحبسه لغيرها عن جسمها لعبرة وعظة لمن تفكر وتدبَّر وبيانًا لهُ أن اللَّه يحيى من يشاء من خلقه إذا شاء ويميتُ من شاء إذا شاء). أي إن مغادرة الأرواح أجسادها مغادرة كلية عند الموت أو جزئية عند النوم وآلية هذه الصلات مع النفس والقلب والروح، وهذا العالم الغامض المليء بالألغاز، وبعلم الغيب، وميكانيكية الأحلام، كل ذلك من أرفع الدلالات على عظمةِ اللَّه خالق هذه الأنفس والأرواح ومقلب القلوب والأفئدة والعقول، الذي يحيى ويميت، ويبعثُ وينشرُ ويَحْشُرُ، ويحاسب ويجازي، فهل من مدكر ومعتبر في هذه الآيات الدقيقة التي يجريها سبحانهُ وتعالى وهو أحسن الخالقين.
قال مجاهد:(لا يشفع عندهُ أحد إلا بإذنه). وعن قتادة:({أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ} قال: الآلهة {قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا} قال: الشفاعة). وقوله:{وَلَا يَعْقِلُونَ} لأنها جمادات وأصنامٌ من أحجار أو طعام.
قلت: وهذه الآية تفسّر بقوله سبحانه في سورة البقرة: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[البقرة: ٢٥٥]، وبقوله في سورة النجم:{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}[النجم: ٢٦].