الخامس: قيل بل المراد بالجنب الجوار والقرب. قال الفراء:(الجنب القرب والجوار، يقال: فلان يعيش في جنب فلان أي في جواره، ومنه {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ}. أي على ما فرطت في طلب جواره وقربه وهو الجنة).
السادس: أي طريق اللَّه. قال الزجاج:(أي على ما فرطت في الطريق الذي هو طريق اللَّه الذي دعاني إليه).
قال القرطبي:(والعرب تسمي السبب والطريق إلى الشيء جنبًا، تقول تجرعت في جنبك غصصًا، أي لأجلك وسببك ولأجل مرضاتك).
السابع: قيل بل المعنى رضا اللَّه. قال الشوكاني:(وقال الزجاج: أي فرطت في الطريق الذي هو طريق اللَّه من توحيده والإقرار بنبوة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وآله وسلم، وعلى هذا فالجنب بمعنى الجانب: أي قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا اللَّه).
قلت: وغاية المعنى أنّ الندم سيأكل من قلوب المسرفين الذين ضَيَّعوا حياتهم الدنيا بالكبر والاستهزاء بأمر اللَّه ونهيه واستسهال أمر الفواحش والكبائر والمضي في غير طريق اللَّه وطريق رضوانه وطاعته وثوابه، والاستئناس بجوار غيره، وقرب من أبعده اللَّه وكان من الخاسرين، كما قال جل ثناؤه في سورة الرعد:{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.
وفي صحيح الإمام مسلم عن أنس بن مالك، رضي اللَّه عنه، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال:[إنّ الكافر إذا عَمَل حسنةً، أُطْعِمَ بها طُعْمةً من الدنيا، وأما المؤمنُ، فإن اللَّه تعالى يَدَّخِرُ له حسناتِه في الآخرة، ويُعْقِبُهُ رِزْقًا في الدنيا على طاعته].
وفي رواية:[إن اللَّه لا يظلم مؤمنًا حسنةً يُعطى بها في الدنيا، ويُجْزى بها في الآخرة، وأما الكافِرُ، فيطعَمُ بحسناتِ ما عمل بها للَّه تعالى في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنةٌ يُجْزَى بها](١).
وأخرج الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [كُلُّ أهل النار يرى مَقْعَدَه من الجنة، فيقول: لو أنَّ اللَّه هداني، فيكون عليهم حَسْرةً، وكُلُّ أهل الجنة يرى مَقْعَدَهُ من النار، فيقول: لولا أنَّ اللَّه هداني، فيكون له شُكْرًا، ثم تلا
(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٢٨٠٨) ح (٥٦) (٥٧)، كتاب صفات المنافقين.