في هذه الآيات: امتنانُ اللَّه تعالى على عباده بقبول توبة تائبهم وتجاوزه عن مستغفرهم فهو العليم بافعالهم. فالمؤمنون يقبلون على ربهم ويستجيبون، والكافرون ينفرون ويستكبرون، واللَّه يبسط الرزق بحكمته، وينزل الغيث وينشر رحمته، وهو الولي الحميد.
فقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}. قال ابن عباس:(أي عن أوليائه وأهل طاعته). وحقيقة التوبة الرجوع إلى اللَّه سبحانه، مع معاينة الحسرة في القلب على ما كان من الزلل، ورد الحقوق إلى أهلها، والعزم على ألا يعود إلى ما كان سببًا في المعصية. قال محمد بن كعب القرظي:(يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سَيِّئ الإخوان).
قال ابن القيم رحمه اللَّه: (وأول معاني التوبة: أن تنظر إلى ما كان من انخلاعك عن الاعتصام باللَّه حين إتيان الذنب وأن اللَّه منع عصمته عنك، وأن تنظر إلى ما كان من فرحك عند ظفرك بذلك الذنب. قال: فما خلّى اللَّه بينك وبين الذنب إلا بعد أن خذلك وخلى بينك وبين نفسك ولو عصمك ووفقك لما وجد الذنب إليك سبيلًا. قال: وتشتد الغفلة على مقارف الذنب حتى يفرح عند ظفره بشهوته المحرمة. . . وفرحه بها أشد ضررًا عليه من مواقعتها، والمؤمن لا تتم له لذة بمعصية أبدًا، ولا يكمل بها فرحه بل لا يباشرها إلا والحزن مخالط لقلبه. قال: ومتى خلي قلبه من هذا الحزن واشتدت