ومعلومٌ أنَّ اشتراكَ هذهِ الأُمورِ في هذا المسمَّى، لا تجعلُ أحدَهُما عينَ الآخر، فلا يُجعَلُ عينُ هذا الموجودِ (١) عين هذا الموجود، ولا عينُ هذا الجسمِ عينَ هذا الجسم، ولا عينُ هذا الحيوانِ أو هذا الإنسانِ عينَ الآخر، بَلْ كُلُّ موجودٍ مِنَ الإنسانِ وفرَسٍ وغيرِه، فلَهُ في نفسِهِ ما يتميَّزُ بهِ عمّا سِواهُ مِنَ الموجودات، فلِلإنسانِ المعيَّنِ إنسانيّةٌ تخصُّهُ، وحيوانيّةٌ تخصُّهُ، وجسميةٌ تخصُّهُ، ووجودٌ يخصُّهُ، والأُمورُ التي تخصُّهُ هيَ التي تميِّزُهُ عمّا سواهُ، فإذا قُدِّرَ عدمُهُ عدمَتْ هذهِ الأُمورُ المعنيّةُ القائمةُ به، ولم يجبْ أنْ يُعدمَ نظيرُهُ المشاركُ لهُ في تلكَ الأُمور، والواحدُ بالعينِ والشَّخصِ متى عدمَ في نفسِهِ لم يبقَ موجودًا.
وكُلُّ أحدٍ يعلمُ بالحسِّ وبعقلِهِ الضَّروريِّ أنَّهُ هوَ ليسَ هذا الإنسانَ الآخرَ، ولا أنَّ ما قامَ بهِ مِنَ الصِّفاتِ والأعراضِ هيَ عينُ ما قامَ بذلكَ الإنسانِ الآخرِ مِنَ الصِّفاتِ والأعراض، وإنْ كانَ هوَ وذلكَ الإنسانُ مشتركينِ في الإنسانيّةِ والنَّاطقيَّةِ والحيوانيّةِ والحساسيّةِ والجِسميّةِ والجوهريّةِ مشتركينِ في الوجودِ والماهيّةِ والحقيقة، وغيرِ ذلكَ ممّا يُقالُ: إنَّهما يشتركانِ فيهِ.
فمَع اشتراكِهما في هذهِ الأُمورِ ليسَ أحدُهُما هوَ الآخرَ، ولا شىءٌ مِنْ صفاتِ أحَدهما هيَ عينَ صفاتِ الآخر، فليسَ في الخارجِ شيءٌ معيَّنٌ اشتَركا فيه، ولكِنْ تشابَها وتماثَلا واتَّفَقا واشتركا في تلك الأُمورِ؛ فهذا أصلٌ يَنبغي للفاضلِ أنْ يعرِفَهُ ويُتقِنَهُ؛ فإنَّهُ مَع وضوحِهِ وظهورِهِ وكونِهِ مِنَ العلومِ الضَّروريّةِ اليقينية التي لا تقبلُ الشَّكَّ، التبسَ على طوائفَ مِنَ الفُضلاءِ حتَّى لَم يُفرِّقوا بينَ هذا وهذا.