وقد صرَّحوا بذلكَ وقالوا: الموجودُ ليسَ هوَ موجودًا بوجودٍ زائدٍ على ذاتِه، وهُم لا يريدونَ بلفظِ الوجودِ مصدرَ وَجَدَ يَجِدُ وُجودًا؛ فإنَّ هذا المصدرَ قائمٌ بالواجدِ الذي يجدُ الأشياءَ، كما قال تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}[النساء: ٤٣]، وقال تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}[النساء: ٩٢]، وقال تعالى:{وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ}[النور: ٣٩]، وقال تعالى:{وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}[الضحى: ٧] ونحو ذلكَ؛ فإنَّ وجود العبد ربه هوَ مصدرٌ قائمٌ به، وليسَ مرادُهم هذا، وإنَّما غرضهُم بالوجودِ ما هوَ في الخارجِ متحقِّقٌ، سواءٌ وجدَهُ واجدٌ أو لم يجدْهُ.
وقولُهم: موجودٌ؛ أي: هوَ بحيثُ يجدُهُ الواجدُ.
وقولُهم: وجودٌ هوَ بمعنَى الموجود، ونزاعُهم في أنَّ هذهِ الأُمورَ المتحقِّقةَ في نفسِها التي توجدُ إمّا بالمشاهَدة، وإمّا بغيرِ المشاهَدة، وهيَ متحقِّقةٌ، سواءٌ وجدَها الإنسانُ أو لم يجدْها، كالإنسانِ الموجودِ مثلًا؛ هَلْ هوَ واحدٌ هوَ ماهيَّتُهُ وذاتُهُ، وهوَ وجودُهُ الموجودُ، أو هوَ شيئانِ؛ أحدُهما ماهيّةٌ وذاتٌ ثابتةٌ، والآخرُ وجودُ موجودِ تلكَ الماهيّةِ والذّات، وعلى هذا القولِ فهلْ يجوزُ أنْ تكونَ تلكَ الذّاتُ والماهيّةُ ثابتةً بلا وجودٍ، فقالَ طائفةٌ مِنَ المعتزِلةِ والشِّيعةِ: المعدومُ شيءٌ ثابتٌ قبلَ وجودِهِ في الخارج، وإنَّما بالوجودِ يصيرُ موجودًا، وقالَتِ المتفلسِفةُ المشّاؤونَ؛ كالأفلاطون (١)
(١) هو: أفلاطون بن أرسطن بن أرسطوقليس، من أثينية، وهو آخر المتقدمين الأوائل الأساطين، معروف بالتوحيد والحكمة. كان تلميذًا لسقراط، ولما اغتيل سقراط بالسم ومات قام مقامه، وجلس على كرسيه. توفي سنة (٣٤٧ ق. م). انظر: الملل والنحل (٢/ ١٤٦).