وكذلكَ الماهيّة التي في الذِّهنِ هيَ وجودُهُ الذِّهنيُّ، والموجودُ الذي في الخارجِ هوَ الماهيّةُ التي في الخارج، وكما أنَّهُ ليسَ في الذِّهنِ موجودٌ غيرُ الماهيّةِ التي في الذِّهنِ فليسَ في الخارجِ ماهيّةٌ موجودةٌ غيرُ الموصوفِ بأنَّ الماهيّةَ ماهيّةٌ.
وكذلكَ ضلالُ أهلِ الحالِ هوَ مِنْ هذا الباب، وهذانِ النَّوعانِ مِنَ الضَّلالِ وقعَ فيهما طوائفُ مِنْ أذكياءِ الرِّجال، حيثُ عَمدوا إلى أسماءٍ متساويةٍ في الثُّبوتِ والانتفاء؛ إمّا في الذِّهنِ وإمّا في الخارج، فجَعلوا بعضها ثابتًا وبعضها مُنتفِيًا بالتَّحكُّم، وضلالُهم في الإثباتِ والنَّفيِ كضلالِهم في العُمومِ والخصوصِ.
ومِنَ المعلومِ أنَّ القضايا لا تختلفُ في الأصلِ بالسَّلبِ والإيجابِ والعُمومِ والخصوص، فغَلطوا في السَّلبِ والإيجابِ كما غَلطُوا في العمومِ والخصوصِ بسبَبِ الاشتراكِ الواقعِ في اللَّفظِ وكونِ أحدِ الاسمينِ يغلبُ عليهِ معنًى، والآخرِ يغلبُ عليهِ معنًى آخرُ، فإذا أردتَ ارتفاعَ الشُّبهةِ فانظُرْ إلى معاني الأسماء، ودَعِ المنازَعاتِ اللَّفظيّةَ التي لا طائلَ تحتَها، وخُذْ معنى هذا الاسمِ بحسَبِ عمومِهِ وخُصوصِهِ وثُبوتهِ وانتفائِهِ في الذِّهنِ والخارج، ومعنى هذا الاسمِ بحسَبِ عمومِهِ وخُصوصِهِ وثُبوتهِ وانتفائِهِ في الذِّهنِ والخارجِ تجدْهم قد فرَّقُوا بينَ المتماثلينِ. وأصلُ القياسِ البُرهانيِّ هوَ التَّسويةُ بينَ المتماثلين، فإذا كانوا في أصلِ قياسِهم الذي جعلُوهُ بُرهانَهم قد فرَّقُوا بينَ المتماثلينِ كانوا قد أسَّسوا بنيانَ عِلمِهم على شفا جرفٍ هارٍ فانهارَ بهم في نارِ جهنَّمَ، والله لا يهدي القومَ الظّالمينَ، فإنَّ التَّفريقَ بينَ المتماثلين أحد (١) الظلمِ.
(١) هكذا في المخطوط ولعل الصواب: (أشد)، والله أعلم.