الذِّهنِ فالمجتمِعانِ قد يكونُ كُلٌّ منهما لازمًا للآخرِ وملزومًا لهُ، وعارضًا لهُ ومعروضًا لهُ في المجتمعات، فإنْ عنيتَ اجتماعَ ما في الذِّهنِ بما في الخارجِ فما في الذِّهنِ لا يجامعُ ما في الخارج، فلا يكونُ لازمًا لهُ ولا ملزومًا، ولا عارضًا ولا معروضًا، كيفَ وما في الذِّهنِ عرَضٌ قائمٌ بقَلبِ الإنسان، وما في الخارجِ جوهرٌ قائمٌ بنفسِه، والتي قد يكونُ موجودًا غيرَ معلومٍ لنا، وقد يُتصوَّرُ في أنفُسِنا ما لم يوجدْ في الخارج، فلا هذا لازمٌ لهذا، ولا هذا لازمٌ لهذا، ولا هذا أيضًا عارضٌ للآخر، ولا بالعكس، ولا الأعيانُ الموجودةُ في الخارجِ تعرضُ لِما في النَّفس، ولا تكونُ صفةً لهُ ولا متَّصلةً بهِ بوجهٍ مِنَ الوجوه، ولا العِلْمُ الذي في الذِّهنِ يعرضُ للأعيانِ الموجودة، ولا يكونُ صفةً لها ولا قائمًا بها، بل لا ينتقلُ عَنْ محلِّهِ؛ إذِ العرَضُ القائمُ بمَحلٍّ لا ينتقلُ عَنْ ذلكَ المحلِّ إلى غيرِه، وإيضاحُ هذا أنَّ الإنسانَينِ مثلًا إذا اشترَكا في الإنسانيّةِ والحيوانيّةِ والماهيّةِ والوجودِ ونحوِ ذلكَ مِنَ المُطلَقات، وامتازَ أحدُهما عَنِ الآخرِ بخصوصِ وجودِهِ وماهيَّتِهِ وإنسانيَّتِهِ وحيوانيَّتِهِ ونحوِ ذلكَ مِنَ المعيَّنات، فذلكَ الذي اشتَرَكا فيهِ إذا أُخِذَ مطلَقًا مشترَكًا لم يَكُنْ إلّا في الذِّهن، والمعيَّناتُ موجودةٌ في الخارج، وهذا المعيَّنُ الخارجيُّ ليسَ بلازمٍ لهذا المطلَقِ الذِّهنيّ، ولا ملزومٍ لهُ ولا عارضٍ لهُ ولا معروضٍ لهُ، بَلْ هذا وهذا بمنزلةِ العِلمِ والمعلوم، فالصُّورةُ العلميّةُ كالمطلَق، والأعيانُ الموجودةُ في الخارجِ هيَ المعلومُ، وقد يُعلمُ ما لم يوجَدْ، وقد يوجَدُ ما لم يُعلَمْ، والعِلمُ القائمُ بالعالمِ ليس هوَ مِنَ المعلومِ والموجودِ إلى الخارجِ في محلٍّ، ولا يكونُ أحدُهما عارضًا للآخرِ أيضًا.
وإذا قالَ القائلُ: الجنسُ لازمٌ للأنواع، فالجِنسُ كُلِّيٌّ، والأنواعُ كُلِّيّةٌ،