لها فاعلًا مستغنيًا عنها، فهوَ رَبُّها ومالِكُها، وهيَ مخلوقةٌ لهُ ومَربوبةٌ ومملوكةٌ، واللهُ الغَنيُّ، وما سواهُ فقيرٌ إليه، وإنْ قُدِّرَ أنَّ فاعلَهُ أو عِلَّتَهُ مفعولٌ لهُ أو معلولٌ بحيثُ يكونُ كُلٌّ منهُما عِلّةً للآخرِ ومعلولًا، كانَ هذا أيضًا ممتنِعًا؛ لأنَّ العِلَّةَ والفاعلَ متقدِّمٌ بالوجودِ على المفعولِ المعلول، فيَلزَمُ أنْ يكونَ هذا قبلَ ذلكَ، وذاكَ قبلَهُ، فيكونُ الشَّيءُ قبلَ ما هوَ قبلَهُ وبعدَ ما هوَ بعدَهُ، فيَلزَمُ أنْ يكونَ موجودًا معدومًا أربعَ مرّاتٍ، والشَّيءُ لا يجوزُ أنْ يكونَ عِلّةً فاعلةً لنفسِه، ولا فاعلًا لنفسِهِ؛ لأنَّهُ يَستلزِمُ أنْ يكونَ قبلَ نفسِه، فيكونُ موجودًا معدومًا معًا، وبهذا يَبطُلُ أنْ تكونَ ماهيَّتُهُ أو نفسُهُ أو ذاتُهُ أو ما يُعبَّرُ بنحوِ هذهِ العباراتِ عنهُ عِلّةً فاعلةً لوجودِ نفسِه، فهذا حقٌّ لا ريبَ فيه، فقَد يبرهنُ أنَّ وجوبَ وجودِهِ يَنفي أنْ يكونَ لهُ عِلّةٌ فاعلةٌ، سواءٌ كانَتْ معلولًا لهُ، أو لم تكُنْ، ونحنُ نقولُ أيضًا: إنَّ وجوبَ وجودِهِ بنفسِهِ يَنفي أنْ يكونَ محتاجًا إلى ما هوَ مستغنٍ عنهُ، فإنَّهُ إذا قدّرَ أنَّ أمرًا ما مِنْ وجودِهِ ليسَ مِنْ لوازمِ نفسِه، بَل متوقِّفٌ على شيءٍ مستغنٍ عنهُ، لم يكُنْ وجودُهُ بنفسِه، بَلْ به، وبذلكَ الشَّيءِ الغَنيِّ عنهُ، فيميَّزُ بهِ وجودُهُ عَنِ العِلّةِ الفاعلةِ وعَنِ الشُّروطِ المستغنيةِ عَنْ وجودِهِ مِنْ لوازمِ وجودِهِ الواجبِ بنفسِه، أمّا لوازمُهُ التي تلزمُ وجودَهُ وتُسمَّى شروطًا لوجودِهِ أو سببًا أو عِلّةً، لا بمَعنى الفاعل، بَلْ بمَعنى الشَّرطِ ونحوِه، فليسَ في وجوبِ الوجودِ ما يُنافي هذا، بَلْ إذا قيلَ: إنَّ صِفاتِهِ واجبةُ الوجود، وإنَّها مَع ذلكَ محتاجةٌ إلى محلٍّ وقابلٍ هوَ الموصوفُ، لم يكُنْ توقُّفُها على المحلِّ والقابلِ مانعًا مِنْ وجوبِها، وإنَّما المانعُ مِنْ وجوبِها توقُّفُها على الفاعلِ كما تقدَّمَ، والموصوفُ ليسَ فاعلًا مبدِعًا للصِّفة، بَلْ هوَ محلٌّ قابلٌ لها، وهذا ممّا يندفعُ بهِ تلبيسُهم في نَفيِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute