يوجِبُ كثرةً؛ لأنَّ هذهِ الصِّفاتِ لو طرأَتْ علينا لكُنّا نَعلمُ أنَّها زائدةٌ على الذَّاتِ؛ إذْ تحدَّدَتْ، ولو قُدّرت مقارِنةً لوجودِنا مِنْ غيرِ تأخُّرٍ لَما خرجَ عَنْ كونِهِ زائدًا على الذَّاتِ بالمقارَنة، وكُلُّ شيئينِ إذا طرأَ أحدُهما على الآخرِ عُلِمَ أنَّ هذا ليسَ ذلكَ، فلو اقتَرَنا أيضًا عقلَ كونُهما شيئين، فإذًا لا تخرج عَنْ هذهِ الصِّفاتِ بأنْ تكونَ مقارنةً لذاتِ الأوَّلِ عَنْ أنْ تَكونَ شيئًا سِوى الذّات، فيُوجِب ذلكَ كثرةً في واجبِ الوجود، وهوَ مُحالٌ، فلِهذا أجمعوا على نفيِ الصِّفات، فيُقالُ لهم: وبِمَ عرفتُم استحالةَ الكثرةِ مِنْ هذا الوجهِ وأنتُم مخالِفونَ لكافّةِ المسلمينَ سوى المعتزلةِ في البرهانِ عليهِ؟ فإنَّ قولَ القائلِ: الكثرةُ مُحالٌ في واجبِ الوجودِ مَع كونِ الذّاتِ الموصوفةِ واحدةً ترجعُ إلى أنَّهُ مستحيلٌ كثرةُ الصِّفات، وفيهِ النِّزاعُ، وليسَ استحاله معلومًا بالضرورة، فلا بُدَّ مِنَ البرهان، ولهم مسلَكانِ:
الأوَّلُ: قولُهم: البرهانُ عليهِ أنَّ كُلَّ واحدٍ مِنَ الصِّفةِ والموصوفِ إذا (١) لم يكُنْ هذا ذاكَ ولا ذاكَ هذا، فإمّا أنْ يستغنيَ كُلُّ واحدٍ عَنِ الآخرِ في وجودِه، أو يفتقرَ كُلُّ واحدٍ إلى الآخر، أو يستغنيَ واحدٌ عَنِ الآخر، ويحتاجَ الآخرَ، فإنْ فُرضَ كُلُّ واحدٍ مستغنيًا عَنِ الآخر فهُما واجبًا الوجود، وهيَ التَّثنيةُ المطلَقةُ، وهوَ مُحالٌ، وإمّا أنْ يحتاجَ كُلَّ منهُما إلى الآخرِ فلا يكونُ كُلُّ واحدٍ منهُما واجبَ الوجودِ؛ إذْ معنى واجبِ الوجودِ ما قوامُهُ بذاتِه، وهوَ مستغنٍ مِنْ كُلِّ وجهٍ عَنْ غيرِه، فما احتاجَ إلى غيرِهِ فذلكَ الغيرُ عِلَّتُهُ، إذْ لو رُفِعَ ذلكَ الغيرُ لامتنعَ وجودُهُ، فلا يكونُ وجودُهُ مِنْ ذاتِه، بَلْ مِنْ غيرِه، وإنْ
(١) في المخطوط (إذ) ولعلَّ المثبت هو الصحيح.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute