للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكنَّها تكونُ منفردةً في ذاتِه، فليطرحْ لفظُ واجبِ الوجود، فإنْ يمكن التَّلبيسُ فيهِ فإنَّ البرهانَ لم يدلَّ إلّا على قطعِ التَّسلسُل، ولم يدلَّ على غيرهِ البتّةَ، فدَعوى غيرِهِ تحكم، فإنْ قيلَ: كما يجبُ قطعُ التَّسلسُلِ في العِلَّةِ الفاعليّةِ يجبُ قطعُهُ في القابليّةِ؛ إذْ لوِ افتقرَ كُلُّ موجودٍ إلى محلٍّ يقومُ به، وافتقرَ المحلُّ أيضًا لَلَزِمَ التَّسلسُلُ، كما لو افتقرَ كُلُّ موجودٍ إلى عِلّةٍ، وافتقرَتِ العِلّةُ أيضًا إلى عِليّةٍ، قُلنا: صدقتُم، فلا جَرَمَ قَطعْنا هذا التَّسلسُلَ أيضًا، وقلنا: إنَّ الصِّفةَ في ذاتِه، وليسَ ذاتُهُ قائمًا بغيرِه، كما أنَّ عِلمَنا في ذاتِنا وذاتُنا محَلٌّ لهُ، وليسَ ذاتُنا في محلٍّ فالصِّفةُ انقَطعَ تسلسُلُ عِلَّتِها الفاعليّةِ معَ الذّات، إذْ لا فاعِلَ لها كما في فاعِلَ للذَّات، بلْ لم تزلِ الذّاتُ بهذهِ الصِّفةِ موَجودةً فلا عِلّةَ لها ولا لِصفتِها.

وأمّا العِلّةُ القابليّةُ فلَمْ ينقطِعْ تَسلسلُها إلَّا على الذَّات، ومِنْ أينَ يَلزمُ أنْ ينتفيَ المحلُّ حينَ تَنتفي العِلّةُ والبرهانُ ليسَ يضطرُّ إلّا إلى قطعِ التَّسلسُلِ لكُلِّ طريقٍ أمكَنَ قطعُ التَّسلسُل، فهوَ وفاءٌ يقتضيهِ البرهانُ الدّاعي إلى وجوبِ الوجود، وإنْ أُريدَ بواجبِ الوجودِ شيءٌ سِوى موجودٍ ليسَ لهُ علّةٌ فاعليّةٌ حتَّى ينقطعَ التَّسلسلُ به، فلا نُسلِّمُ أنَّ ذلكَ واجبٌ أصلًا.

ومهما اتَّسعَ العقلُ لِقَبولِ موجودٍ قديمٍ موصوفٍ لا عِلّةَ لوجودِه، اتَّسعَ لِقَبولِ موجودٍ قديمٍ موصوفٍ لا عِلّةَ لوجودِهِ في ذاتِهِ وفي صِفاتِهِ جميعًا.

ثمَّ قالَ: المسلكُ الثّاني قولُهم: إنَّ العِلمَ والقُدرةَ فِينا ليسَ داخلًا في ماهيَّتِهِ ذاتُنا، بَلْ كانَ عارضًا بالإضافةِ إليه، وإنْ كانَ دائمًا لهُ فرُبَّ عارضٍ لا يفارقُ أو يكونُ لازمًا لماهيَّتِه، ولا يصيرُ بذلكَ مقوِّيًا لذاتِه، وإذا كانَ عارضًا

<<  <   >  >>