الصِّفاتِ المنافيةِ للحاجاتِ لذاتِه، فكيفَ ننكرُ صفاتِ الكمالِ التي بها تتمُّ الإلهيّةُ بمثلِ هذهِ التَّخيُّلاتِ اللَّفظيّةِ؟
فإنْ قيلَ: إذا أثبتُّم ذاتًا وصِفةً وحُلولَا للصِّفةِ بالذّاتِ فهوَ تركيبٌ، وكُلُّ تركيبٍ يحتاجُ إلى مركِّبٍ، ولذلكَ مَنْ لم يُجِزْ أنْ يكونَ الأوَّلُ جِسمًا؛ لأنَّهُ مركِّبٌ، قُلنا: قولُ القائلِ: كُلُّ تركيبٍ يحتاجُ إلى مُركِّبٍ كقولِهِ: كُلُّ موجودٍ يحتاجُ إلى موجِدٍ، فيقالُ لهُ: الأوَّلُ موجود قديم لا عِلّةَ لهُ ولا موجِدَ، لذلكَ يقالُ: هوَ موصوفٌ قديمٌ لا عِلّةَ لذاتِهِ ولا لِصفتِه، ولا لقيامِ صفتِهِ بذاتِهِ بَلِ الكُلُّ قديمٌ بلا عِلّةٍ.
وأمّا الجِسمُ فإنَّما لم يجُزْ أنْ يكونَ الأوَّلَ؛ لأنَّهُ حادثٌ مِنْ حيثُ إنَّهُ لا يخلو عَنِ الحوادث، ومَنْ لم يُثبتْ لهُ حدوثَ الجِسمِ يَلزَمُهُ أنْ يجوِّزَ أنْ تكونَ العِلَّةُ الأولى (١) جسمًا، كما تَستلزمُهُ عليهم مِنْ بعدُ. وكُلُّ مسالكِهم في هذهِ المسألةِ تخيُّلاتٌ.
ثمَّ إنَّهم لا يقدرونَ على ردِّ جميعِ ما يُثبتونَهُ إلى نفسِ الذّاتِ؛ فإنَّهم أثبَتوا كونَهُ عالمًا، ويلزمُهم أنْ يكونَ ذلكَ زائدًا على مجرَّدِ الوجود، فيُقالُ لهم: أتسلِّمونَ أنَّ الأَوَّلَ يعلمُ غيرَ ذاتِهِ؟ فمنهُم مَنْ يسلِّمُ ذلكَ ومنهُم مَنْ قالَ: لا يعلمُ إلّا ذاتَهُ.
فأمّا الأوَّلُ فهوَ الذي اختارَهُ ابنُ سِينا؛ فإنَّهُ زعمَ أنَّهُ يعلمُ الأشياءَ كُلَّها بنوعٍ كُلِّيٍّ لا يدخلُ تحتَ الزَّمان، ولا يعلمُ الجُزئيّاتِ التي تُوجِبُ تجدُّدَ الإحَاطةِ بها تغيُّرًا في ذاتِ العالمِ.
(١) في المخطوط (الأول) ولعلَّ المثبت هو الصحيح.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute