للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا كما أنَّ اللَّفظَ إذا دلَّ على معنًى بالمطابَقةِ فقد دلَّ على هوَ داخلٌ فيهِ بالتَّضمُّن، وعلى ما يلزمُهُ بالإلزام، ولا يُقالُ: إنَّ المدلولَ عليهِ بالمطابَقةِ محتاجٌ إلى ما هوَ المدلولُ عليهِ بالتَّضمُّنِ أو بمطلَقِ اللُّزومِ إلّا كما يُقالُ: إنَّ المدلولَ عليهِ بالمطابَقةِ محتاجٌ إلى نفسِهِ هوَ معنى قولِ القائلِ: هوَ محتاجٌ إلى نفسِه، وإنْ كانتْ هذهِ العبارةُ قد لا يحسُنُ إطلاقُها، فالكلامُ في المعنى المقصودِ بالعبارةِ وإلّا فالتَّشنيعُ المحضُ لا يثبتُ بِهِ حقٌّ، ولا يندفعُ بهِ باطلٌ، وهوَ عادتُهم في هذا البابِ كما ذكرَهُ أبو حامدٍ. وتمامُ الفائدةِ فيما ذكرَهُ أبو حامدٍ يحصلُ بمعرفةِ ثلاثةِ أشياءَ:

أحدها: أنَّ هذهِ الحُجَّةَ التي ذكرَها عنهُم حُجّةٌ ناقصةٌ فيها تلبيسٌ، فإنَّهُ لم يذكُرْ فيها تخيُّلَ احتياجِ الصِّفةِ إلى الموصوفِ دونَ العكسِ كما قد بيَّنّاهُ، ولكِنْ قد نبَّهَ على تمامِها فيما بعدُ بقَولهم: هذا يؤدِّي إلى أنْ يكونَ الأوَّلُ محتاجًا إلى هذهِ الصِّفات، فلا يكون غنيًّا مطلَقًا، وقد بيَّنَ هوَ فسادَ هذا الكلام، ونحنُ قد بسطنا الكلامَ على هذهِ الحُجّةِ وغيرِها مِنْ كلامِهم في مواضعَ، وإنَّما كانَ المقصودُ هنا بيانَ ما تفطَّنَ لهُ أبو حامدٍ ونحوُهُ مِنْ فسادِ حُجَجِهم، وحاصلُ أمرِهم إمّا نفيُ الصِّفاتِ لعِلمِهم أنَّ الذّاتَ محتاجةٌ إليها، فيكونُ الواجبُ محتاجًا إلى غيرِهِ أو متقومًا بغيرِهِ ونحو ذلكَ. وقد أجابَ بأنَّ هذا وإنْ كانَ حقًّا، فليسَ فيما يثبتُ واجبَ الوجودِ ما ينفي هذا إذا لم يقمْ دليلٌ على أنَّ واجبَ الوجودِ هوَ ذاتٌ لا صفاتَ لها، وأنَّهُ واحدٌ ليسَ فيهِ معنى كثرةٍ، وإنَّما هُم في آخرِ الأمرِ إنَّما ينفونَ الكثرةَ والتَّركيبَ بدليلِهم المذكورِ في التَّوحيدِ كما ذكرَ أبو حامدٍ، حيثُ قالَ: إبطالكُم للقِسمِ الأوَّلِ وهوَ التَّثنيةُ المطلَقةُ قد بيَّنَّا أنَّهُ لا برهانَ لكُم عليها في المسألةِ التي قبلَ هذه،

<<  <   >  >>