أي: ما أقواه في بدنه (و) ما (أظرفه! ) أي: ما أحسنه في لسانه وأدبه.
والظَّرْفُ عند العرب: في اللِّسان، والحلاوةُ: في العين، والملاحةُ: في الفم، وقال المبرد: الظريف مأخوذ من الظَّرْف؛ وهو الوعاء؛ كأنه جعل وعاء للآداب، وقال غيره: يقال منه: ظَرُفَ يَظْرُف ظرفًا، فهو ظريف، وهم ظُرفاء، وإنما يقال في الفِتْيان والفَتَيات أهلِ الخفة.
وحاصل قولهم ذلك: أنهم يمدحونه بكثرة الجلادة والظرافة والعقل، ويتعجبون منه، ولا يمدحون أحدًا بكثرةِ العلمِ النافع والعمل المصالح.
وقوله:(وما في قلبه) أي: في قلب ذلك الرجل الممدوح، حال من الرجل؛ أي: يمدحونه والحال أنه ما في قلبه مثقال (حبة خردل) أي: وزن حبةٍ؛ واحد الحبوب؛ من خردل: حب معروف من الأبازير، والإضافة فيه بيانية بمعنى: من، وقوله:(من إيمان) تمييز لمثقال.
قال العيني: وخلاصة ما ذكرناه: أن القلب يخلو عن الأمانة؛ بأن تزول عنه شيئًا فشيئًا، فإذا زال جزء منها .. زال نورها، وخلفته ظلمة كالوكت، وإذا زال شيء آخر منها .. صار كالمجل؛ وهو أثر كبير محكم لا يكاد يزول إلَّا بعد مدة، ثم شبَّه زوالَ ذلك النور بعد ثبوته في القلب، وخروجه منه واعتقاب الظلمة إياها بجَمرٍ تُدحرِجُه على رجلك حتى يُؤثِّر فيها، ثم يزول الجمر ويبقى التنفط. انتهى "عمدة القاري".
فيصبح الناس بعد رفع الأمانة عن قلوبهم خَوَنةً فسقةً، حتى لا يوجد فيهم رجل أمين، ويمدحون الرجل منهم بالشجاعة والفصاحة ورصانة العقل، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان.
قال الأبي: فبالجملة: فالمقصود من الحديث: الإخبار عن تغير الحال برفع