ينبغي المخاصمة مع من يقول مثل قول اليهود؛ لأنه يمكنه تصحيحه بحمله على الفضل الجزئي.
وبالجملة: فقد أراد صلى الله عليه وسلم المنع عن البحث عن أمثال هذه المباحث؛ لئلا يفضي ذلك إلى الإفراط والتفريط في شأن الأنبياء، وأكد ذلك بقوله:(ومن قال) من الأنبياء: (أنا خير) وأفضل (من يونس بن متى) - بفتح الميم وتشديد المثناة مقصورًا بوزن (حتى) اسم لأبيه ووالده - على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
ووقع في "تفسير عبد الرزاق": أن متى اسم أمه، وهو مردود بحديث ابن عباس عند البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما ينبغي لعبد أن يقول: إني خير من يونس بن متى"؛ ونسبه إلى أبيه، فقوله: ونسبه إلى أبيه صريح في أن متَّى أبوه لا أمه. انتهى من "التحفة".
(فقد كذب) أي: خَالفَ الصواب؛ لأن الأنبياء كلهم متساوون في مرتبة النبوة، وإنما التفاضل باعتبار الدرجات، فلفظ:(أنا) واقع موقع (هو) ويكون راجعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون المراد به: نفس القائل، فحينئذ:(كذب) بمعنى: (كفر) كنى به عن الكفر؛ لأن هذا الكذب مساو للكفر، كذا في "المرقاة".
وقال النووي: الضمير في (أنا) قيل: يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: يعود إلى القائل؛ أي: لا يقول ذلك بعض الجاهلين من المجتهدين في عبادة أو علم أو غير ذلك من الفضائل؛ فإنه لو بلغ من الفضائل ما بلغ .. لم يبلغ درجة النبوة، ويؤيد هذا التأويل المقالة التي قبله؛ وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متَّى" انتهى.