لا أنه أراد نفي الوصية مطلقًا؛ لأنه ثبت بعد ذلك أنه أوصى بكتاب الله، أي: بدينه، أو به ونحوه؛ ليشمل السنة، لأنه سيأتي حديث:"أوصيكم بثلاث ... " إلى آخره. انتهى من بعض الهوامش.
ولعل سبب هذا السؤال أن الشيعة كانوا قد وضعوا أحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي رضي الله تعالى عنه، فرد عليهم جماعة من الصحابة ذلك، منهم علي رضي الله تعالى عنه؛ كما سيأتي في شرح حديثه الآتي، وكذلك زعم بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم ترك أموالًا وصيةً لأقاربه.
قوله:(فقال: لا) إنما نفى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه الوصية بالمال وبالخلافة، فهذا الجواب لا ينافي ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أوصى المسلمين بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزه ونحو ذلك، فإن السؤال كان في الوصية بالمال وبالخلافة؛ كما فهمه عبد الله بن أبي أوفى من سياق الكلام، فأجابه بما يطابقه.
قال طلحة:(قلت) لابن أبي أوفى: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص شيئًا .. (فكيف أمر المسلمين بالوصية) يعني: بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ}(١)، وهذه الآية منسوخة عند الجمهور بآية الميراث.
ويحتمل أن يكون طلحة بن مصرف ممن يزعم أن آية وجوب الوصية غير منسوخة؛ نظرًا إلى تأكد استحبابه.