للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ويوضح الفراهي هذه الفكرة في كتابه الذي ألفه لهذا الغرض والمسمى (دلائل النظام) حيث يثبت أن للترتيب والنظام حظاً وافراً في كل مركب لا سيما في الكلام البليغ ولا سيما في هذا القرآن الكريم والذين يزعمون خلاف ذلك فإنهم قد أخطأوا في زعمهم ولم ينصفوا كتاب الله. ثم صرح بعد ذلك بأن القرآن الحكيم كلام منظم ومرتب من أوله إلى آخره على غاية حسن النظم والترتيب وليس فيه شيء من الاقتضاب لا في آياته ولا في سوره بل آياته مرتبة في كل سورة كالفصوص في الخواتم وسورة منظمة في سلك واحد كالدرر في القلائد حتى لو قدم ما أخر أو أخر ما قدم لبطل النظام، وفسدت بلاغة الكلام بل ربما يعود إلى قريب من الهذيان.

ويبين الفراهي في موضع آخر من كتابه كيف اهتدى إلى هذا العلم فيقول: "وقد يسر لي بمحض نعمته فهم نظم القرآن في سورة البقرة وسورة القصص من نفس القرآن وإني كنت مولعاً بتلاوته وهو أحب الكتب وألذها عندي - ولله الحمد - وقد كنت أسمع أن القرآن الكريم أشت الكتب نظماً، لنزوله نجماً نجْماً ولكن بعد ما ظهر في النظام في سورتين حثني على التدبر في باقيها وكنت في حدث السن وعز الفرصة، فمضت بضع عشرة سنة حتى وفقني الله تعالى أن ابتدأت من أول القرآن ويسر لي الإتمام في سنة كاملة وهممت أن أبرزه للناس فردعني عظم الذمة وروعني كبر المغبة، فمكثت أراجع فيه النظر مرة بعد مرة أمداً طويلاً مستعيذاً بالله من ظلمات النفس وغوايات الجهل ومع ذلك وددت لو طويته على غره وسكت عن حلوه ومره ونجوت من إثمه وبره ولكن اضطرني إليه أمور:

الأول:

أني رأيت اختلاف الآراء في التأويل من عدم التزام رباط الآيات، فإنه لو ظهر النظام واستبان لنا عمود الكلام، لجمعنا تحت راية واحدة وكلمة سواء {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} وجعلنا معتصمين بحبل كتابه، كما قال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} وكيف الخلاص عن التفرق

<<  <  ج: ص:  >  >>