ليس دون الأول، ولكن الأول يتعلق بالمصنفين، والثاني يتعلق بالناظرين في كلامهم.
وهو أكثر من ذهب إلى وجود النظم كالإمام الرازي _ رحمه الله _ قنع في هذا الأمر الصعب بما هو أوهى من نسج العنكبوت، مع سبقه الظاهر في العلوم النظرية والذكاء.
فمن نظر في كلامه تيقن بأن النظم لو كان كما يدعيه هذا الإمام المتبحر وأمثاله، لما خفي عليه مع خوضه فيه، وإذا لا يأتي هو ولا غيره إلا بكل ضعيف، فلا مطمح فيه لأحد بعد هؤلاء، فإما بقي على قوله بوجود النظم، ولكن يئس من علمه وأغلق بابه، فإن سمع أحدا يدعوه إليه لم يسمعه. وإما صار إلى الرأي الذي ظنه أسلم، وهو أن القرآن إنما نزل منجما مفرقا، فلا يطلب فيه نظام.
الثالث:
إكثار الوجوه في التأويل، وإكثار الجدل وقال وقيل، وذلك بأن النظم إنّما يجري على وحدة، فبحسب ما تكثر الوجوه، يتعذر الاستنباط النظام. فمن نظر في هذه الوجوه المتناقضة والأقاويل المتشاكسة تحَيّر، لا يدري ماذا يختار منها؟ وأصبح في حجب من النّظم الذي يجري من كل جملة في وجه واحد كمن سلك طريقا يصادف في كل غلوة طرقا شتّى.
ولما كان ذلك _ ولأسباب أُخر شرطنا أن نقنع بوجه واحد صحيح ظاهر ينتظم به الكلام، ولم نجده إلا أحسنها تأويلا، وأبلغها بيانا _ وهذا مبسوط في موضعه وإنما ذكرناه هنا من جهة أن إكثار الوجوه من أكبر الحجب على فهم النظام، بل عدم التمسك بالنظام هو أكبر سبب للولوع بكثرة التأويل، فإن النّظم هو الذي يوجهك إلى الوجه الصحيح والسلف رحمهم الله لم يجمعوا وجوها بل كل منهم ذهب إلى أمر في كل علم إذا كثرت الكتب ودون العلم، وسهل الطريق