للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ضعيفٌ جِدًّا، وضَعْفُهُ أشهرُ من أن يُظْهَرَ.

* ثم اختلفَ الجمهورُ.

فمنهم مَنْ قال: الآيةُ منسوخَةٌ (١) بقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وبقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢]، وروى هذا عَطِيَّةُ عنِ ابنِ عَبّاسٍ -رضي الله تعالى عنهما-.

وهذا أضعفُ من الأولِ؛ فإن النسخَ لا يَصِحُّ إلا بتوقيفٍ، وعلمٍ بالمتأخِّر منهما، وليس قولُ هذا (٢) القائل: هي منسوخة بِما ذُكِرَ بأولى من قولِ غيرهِ: هي ناسخةٌ لما ذُكِرَ، كيفَ والتعارُضُ بينَهما معدومٌ؛ فإنه يحتملُ أن تكونَ هذه الآيةُ مقيِّدَةً لإطلاقِ غيرِها ببعضِ الأحوال؛ كما قاله الآخرون، وهم قومٌ من السلف، قالوا: الآيةُ مُحْكَمَةٌ، ويجوزُ قبولُ شهادةِ الكِتابيِّ عندَ فَقْدِ المُسْلِمِ في السَّفَرِ خاصَّةً، وبه قالَ أبو حنيفة (٣)، وأحمدُ (٤) -رحمهما الله تعالى-.

وهذا أيضاً ضعيفٌ؛ لأنهم لا يوجبونَ اليمينَ على الشاهدِ الكِتابيِّ عند الارتيابِ كما وردَ في ظاهرِ الآية والحديث.


= و"شرح مشكل الآثار" للطحاوي (١١/ ٤٦٩).
(١) انظر: "المصفى بأكف أهل الرسوخ" (ص: ٢٩ - ٣٠)، و"ناسخ القرآن ومنسوخه" (ص: ٣٢)، و"قلائد المرجان" (ص: ١٠٤).
(٢) "هذا" ليس في "ب".
(٣) ذهب الحنفية إلى أن الآية منسوخة في حق المسلمين، فلا تجوز شهادة الذمي على المسلم، وتجوز شهادتهم فيما بينهم. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٤/ ١٦٣)، و "المبسوط" للسرخسي (٤/ ٥٢١).
(٤) ذهب الحنابلة إلى أن شهادة أهل الكتاب تقبل في الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم، وهو المذهب الذي سيقرره المصنف بعد قليل. انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي (٢/ ٤٥٢)، و"الكافي" لابن قدامة (٤/ ٥٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>