وإذا بطلَ تحليفُه، بَطَلَ القولُ بقبولِ شهادتهِ كَما ذكر.
فإن قلتم: فما قولُك الحَقُّ الذي وَعَدْتنَا به، فقد دَلَلْتَنا على فسادِ هذهِ الأقاويل؟
قلت: الآيةُ مُحْكَمَةٌ غيرُ منسوخةٍ واردة على سببٍ مشهورٍ من قصةِ تميمِ بنِ أوسٍ الداريِّ، وعديّ بنِ بَداء في حالِ تنَصُّرِهِما، وأنهما قَبَضا مال بُدَيْل، ليوصلاهُ إلى أهلِه، وسَمَّاهما اللهُ شاهِدَيْنِ لِمُشاهَدَتِهما أمرَ بديلٍ، وعِلْمِهِما بهِ، وهما وَصيّانِ في الحقيقةِ، وليسَ المقصودُ بشهادتِهما الشهادةَ الشرعيةَ المُتَعَبَّدَ بها؛ بدليل قوله تعالى:{لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا}[المائدة: ١٠٧]، والوليّانِ ليسا بِشاهدَيْنِ شَرْعاً، وإنما هما شاهِدانِ عِلْماً، فالحكمُ مقصورٌ على سببهِ، لا يتعداهُ، فيجوزُ للمسلمِ أن يُوصِيَ إلى الذِّمِّيِّ عندَ عدمِ المُسْلِمِ، ولا يجوزُ عندَ وُجودِه، فلنْ يجعلَ اللهُ للكافرينَ على المُؤْمنين سبيلًا، وإنما شَرَطَ اللهُ سبحانه الضَّرْبَ في الأرضِ؛ لأنه مَظِنَّةُ عَدَمِ المُسْلِمِ، ومعلومٌ أن المسلمَ لا يُوصي إلى الذميِّ مع وجودِ المُسلم إلا نادرًا، ولو وجدَ بديلٌ مسلماً غيرَهما، ما وَصَّى إليهما، لكونه مُسْلِمًا مُهاجِراً.
ثم نقولُ: فإذا أوصى المسلمُ إلى الذميِّ، فإنْ صَدَّقناهُ، فلا خِصام، ولا تَحْليفَ، وإن ارتبنا منه، حَلَّفْناه بعدَ صلاة العَصْرِ كما غَلَّظَ اللهُ سبحانَه عليه، فإذا حلفَ فقدِ استحق علينا الحُكْمَ بِعَدَمِ المُطالَبةِ، ثم إن عَثَرْنا عليهِ (١) بالخِيانة، واستحقاقِ الإثم، وقامت عليه الحُجَّةُ بإقراره، لكنه أظهرَ دَعْوى تخالِفُ إقرارَهُ كما فَعَلَ تميمٌ وصاحبُه؛ حيثُ ادَّعيَا الشراءَ من بديلٍ، ولم يُقيما بَيِّنَةً، قمْنا مقامَهما بعدَ صلاةِ العصرِ، وحلَفْنا لهما إن كانَ