للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لَوْلا ما مَضى من كتابِ اللهِ، لَكان لي ولَها شأنٌ" (١)، فهل يرى أن هذا الشأنَ الذي أشارَ إليهِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَنوَّهَ بهِ هوَ الحبسُ؟ كَلاً بل هو أمرٌ فوقَهُ وأكبرُ منه.

* وسَنَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مع كتابِ اللهِ تَعالى الفُرْقَةَ بينَ المُتَلاعِنَيْنِ، فقالَ للزوجِ: "لا سَبيلَ لكَ عليها" (٢).

وقد اختلَفَ أهلُ العلمِ في حقيقةِ تفريقِه - صلى الله عليه وسلم -.

فقالَ أبو حنيفةَ: هو بطريقِ الحُكْمِ منُه - صلى الله عليه وسلم -، فلم تقعِ الفرقةُ إلا بحُكْمِهِ وأمرِه، فكذلكَ لا تقعُ الفرقةُ بعدَهُ إلا بحُكْمِ حاكِمٍ (٣).

وقال مالكٌ والشافعيُّ: هو شَرْعٌ، وليسَ بحكمٍ، فتقعُ الفرقةُ بنفسِ اللِّعانِ، ثم قالَ مالكٌ: تقعُ بعدَ الفَراغِ من لِعانِها؛ لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يفرقْ بينَهما إلا بعدَ تمامِ اللِّعانِ، وقالَ الشافعيُّ: بعدَ الفراغِ من لِعانِ الزوجِ؛ لأنَّ لعانَها لدرءِ العذابِ عَنْها (٤).

* وقد بينَ اللهُ سبحانه اللِّعانَ، وأتم ترتيبَه وبيانَه، ولهذا لم ينقلْ في شيءٍ من رواياتِ الحديثِ لفظٌ لاعَنَ بهِ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بين المُتلاعنين، وإنَّما وردَ: فأمرَهُما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالمُلاعَنَةِ بما سَمَّى اللهُ في كتابِه، فلو بدأتِ


(١) تقدم تخريجه من حديث ابن عباس في قصة هلال بن أمية.
(٢) تقدم تخريجه من حديث ابن عباس في قصة هلال بن أمية.
(٣) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ١٥٠)، و"الهداية" للمرغيناني (٢/ ٤٢)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (٣/ ٢٤٤).
(٤) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٦/ ٩٧)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (٢/ ٩٠ - ٩١)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١٢/ ١٩٣)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (٨/ ١٥٩).
وعن الإمام أحمد روايتان، انظر: "المغني" لابن قدامة (٨/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>