للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٧)

المرآة

كانت الدعوة إلى "تحرير المرأة" خطوة كبرى في سبيل التطور وقد حملت دعويين: هما: تعليم المرأة وسفور المرأة، غير أن الاستعمار قد حرص على الانحراف بها عن اتجاهها الصحيح، فقد حملت لواء الدعوة إلى تحرير المرأة طائفة من نساء الطبقة الأرستقراطية وكان العاة يطمعون في العمل في هذا الميدان لكسب لون من الزعامة، وقد حالت سيطرة هذا النوع من النساء على ميدان المرأة من اشتراك المرأة الشعبية، كما كان لسيطرة الرجل على حركة تحرير المرأة دخل في كثير من الأهواء التي وجهت الحركة وجهة غير صحيحة.

وقد كان قاسم أمين في دعوته إلى تحرير المرأة انما يقيم مناهجه على أساس من قواعد أن ما حدث هو أن قلة من ساكنات المدن هن اللائى خرجن من الحجاب. غير أن السفور كان عملا مظهريا محضا، ولم يقع ما دعا اليه قاسم أمين من ارتفاع مستوى الأدب (مجلد ٤٦ الهلال ص ٩٧٦) وخلق سعادة البيوت، بل حدث أن صاحب هذا التطور-على حد يعتبر محمد فريد وجدى "تدهور مروع في الآداب العامة وانتشار مفزع لمبدأ العزوبة، وأصبحت جلسات المحاكم خاصة بقضايا هتك الأعراض وهرب الشابات من دور أهلهن".

ونعت "ابنة الشاطئ" ما تكشفت عنه حركة تحرير المرأة مما سمته "مهزلة اليمة موجعة" تلك هى "أن الرجال ساقونا لنعمل لحسابهم وهم يوهموننا أننا نعمل ويعملون معنا لحسابنا" ذلك أن الرجال رتبوا لنا الخروج زاعمين أنهم يؤثرونا على أنفسهم، ولكنهم كذبوا في هذا الزعم فما أخرجونا الا ليحاربوا بنا السآمة والضجر في دنياهم. أن أقسى ما نلقاه في محنتنا هو شعورنا بما انكشف من ضعف الرجال وصغارهم، ونحن شقيقات بذلك فكان منه مرارة موجعة" وقد أشارت بنت الشاطئ إلى هذا الانحراف "أن المرأة دفعت ضريبة فادحة ثمنا المتطور، ويكفى أن أشير في ايجاز إلى الخطأ الأكبر الذي نسوه نهضتنا وأعنى به انحراف المرأة الجديدة عن طريقها الطبيعى وترفعها عن التفرغ لما نسميه "خدمة البيوت وتربية الأولاد".

ذلك لأن مصر لم تخرج فتياتها من دورهن لتسد بهن فراغا كانت تشكوه في ميادين الأعمال. وانما أرادت أن تجد فيهن الأمهات المستنيرات المثقفات. وهذه هى اليوم ترى البيوت منهن مقفرة خلاء. أما الأبناء فتركوا للخدم وقد نشأ هذا الانحراف الضال نتيجة لخطأ كبير في فهم روح النهضة، وبلغ من سوء ما وصلت اليه أن نادت مناديات بحذف نون النسوة من اللغة كأنما الأنوثة نقص ومذلة وعار، وأهدر الاعتراف بالأمومة كعمل من الأعمال الأصلية لنا حتى سمعنا من يسأل كيف تعيش أمه برئة معطلة، يقصد الرئة المعطلة هؤلاء الباقيات في بيوتهن يرعين، الأولاد، وزعموا أن المرأة تستطيع أن تجمع بين عملها في البيت ووظيفتها في الخارج.

وقد نعى بعض المفكرين على أن القائمات بالعمل في الميدان النسوى لا يعرفن اللغة العربية ولا ينطقنها وأنما هم من المثقفات ثقافة فرنسية، فهل يمكن أن يكون لهن أى نفع في تفهم حياتنا وحاجياتها وهن منعزلات ثقافيا وأرستقراطيا عن المجتمع. وقد اعتذرن بأنهن بمعرفتهن للفرنسية يسمعن صوت المرأة في الخارج وقد اعترض أحمد حسن الزيات على ذلك بأن الثقافة الأجنبية تفقد كثيرا من قيمتها اذا لم تقرن بقسط من الثقافة العربية السليمة وليس صحيحا أن قضية المرأة تخدم فقط عن طريق الكتابة بالفرنسية لأن الفرنسية لا تقرأ في برلين ولندن.

وصور الدكتور منصور فهمى ما اعتور الحركة النسوية في ظل الاحتلال وشابها ما وصفه بأنه "تحول خروج النساء عن عزلتهن عن أن يكون وسيلة يسوغها شرف الغاية ليكون غاية لذاته" وقال أن من أشد العوامل التي أضعفت قيمة الاختلاط بين المرأة والرجل هو انتشار الآراء دون أن تفهم علة وجهها الصحيح، ومن هذه الآراء ذهابهم إلى أن

الاختلاط بين النساء والرجال

<<  <   >  >>