يصحّ خلاف بين هؤلاء، وبين من صرّح بقراءة القرآن من الصحابة -رضي الله عنهم -، كابن عبّاس، والمسور، والضحّاك بن قيس، وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وابن مسعود، وأنس، لا سيما وأبو هريرة لم يذكر تكبيرًا، ولا تسليمًا، فبطل أن يكون لهم به متعلّق، وقد روي عنه قراءة القرآن في الجنازة، فكيف، ولو صحّ عنهم في ذلك خلاف، لوجب الردّ عند تنازعهم إلى ما أمر الله تعالى بالردّ إليه، من القرآن والسنّة، وقد قال عليه السلام:"لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن". وقالوا: لعلّ هؤلاء قرؤوها على أنها دعاء.
فقلنا: هذا باطل؛ لأنهم ثبت عنهم الأمر بقراءتها، وأنها سنتها، فقول من قال: لعلهم قرؤوها على أنها دعاء كذب بحت، ثم لا ندري ما الذي حملهم على المنع من قراءتها حتى يتقحّموا في الكذب بمثل هذه الوجوه الضعيفة، والعجب أنهم أصحاب قياس، وهم يرون أنها صلاة، ويوجبون فيها التكبير، واستقبال القبلة، والإمامة للرجال، والطهارة، والسلام، ثم يسقطون القراءة.
فإن قالوا: لما سقط الركوع، والسجود، والجلوس، سقطت القراءة.
قلنا: ومن أين يوجب هذا القياس دون قياس القراءة على التكبير والتسليم؟ بل لو صحّ القياس لكان قياس القراءة على التكبير، والتسليم- لأن كل ذلك ذكر باللسان- أولى من قياس القراءة على عمل الجسد، ولكن هذا علمهم بالقياس والسنن، وهم يعظّمون خلاف العمل بالمدينة، وهاهنا أريناهم عمل الصحابة، وسعيد بن المسيّب، وأبي أمامة، والزهريّ، علماءِ المدينة، وخالفوهم، وبالله تعالى التوفيق. انتهى كلام ابن حزم رحمه الله (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: إنما نقلت كلام ابن حزم رحمه الله، وإن كان فيه طول؛ لكونه اشتمل على تفنيد آراء القائلين بعدم مشروعيّة قراءة الفاتحة في الصلاة على الجنازة، مع صحة السنة بذلك.
والحاصل أن وجوب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة، هو المذهب الحقّ، هان زاد سورة، فحسن؛ لصحة حديث ابن عباس، فقد أخرج البخاريّ