للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قولًا، ولا وجدنا ذلك عن أصحابه، ولا عن التابعين. وقد كان الثوريّ، وإسحاق ابن راهويه يستحبّان أن يقول المرء بعد التكبيرة الأولى من الصلاة على الجنازة: "سبحانك اللهم، وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك"، وذُكر ذلك لأحمد، فقال: ما سمعت.

قال ابن المنذر: ولم أجد ذكر ذلك في كتب سائر علماء الأمصار، فإن قاله قائل، فلا شيء عليه، وإن تركه، فلا شيء عليه. انتهى كلامه (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر رحمه الله هنا يخالف مذهبه الذي التزمه في مؤلفاته النافعة، وهو اتباع الآثار الصحيحة، وقد اعترف هو نفسه بانه لم يثبت ذلك عنده، فلِمَاذا خيّر بين الأمرين؟ إن هذا منه عجيب. فالصواب عندي أن لا يقرأ الاستفتاح المذكور؛ لعدم ثبوت ذلك عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، بل الثابت عنه إخلاص الدعاء للميت، فقد أمر به، فما زاد على الدعاء لا بدّ من أن يثبت بنقل صحيح حتى يُعمَل به، مثل قراءة الفاتحة، وسورة، والصلاة على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الحادية عشرة): في اختلاف أهل العلم في عدد تسليم الصلاة على الجنازة:

قال الإمام ابن المنذر: رحمه الله: اختلفوا في ذلك، فقال كثير منهم: يسلم تسليمة واحدةً، روينا هذا القول عن عليّ، وجابر بن عبد الله، وواثلة بن الأسقع، وابن أبي أوفى، وأبي هريرة، وأبي أمامة بن سهل بن حُنيف، وأنس، وابن عبّاس، وابن عمر -رضي الله عنهما-.

وبه قال ابن سيرين، والحسن، وسعيد بن جبير، وسفيان الثوريّ، وابن عيينة، وابن المبارك، وعيسى بن يونس، ووكيع، وابن مهديّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق.

واختَلَفَ قول الشافعيّ، فقال في "كتاب الجنائز": إن شاء سلّم تسليمة، وإن شاء تسليمتين، وحَكَى البويطيّ عنه أنه قال: يسلّم تسليمتين.


(١) "الأوسط" ٥/ ٤٣٦.