للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقالت طائفة: يسلّم تسليمتين، هكذا قال أصحاب الرأي، وحُكي عن الشعبيّ، وأبي إسحاق مثل قولهم، واختُلِفَ فيه عن النخعيّ.

قال ابن المثذر: تسليمة أحبّ إليّ؛ لحديث أبي أمامة بن سهل، قال: حدثنا ابن عبد الحكم، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف، عن رجال من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أنه يسلم تسليمًا خفيفًا حتى ينصرف، والسنة أن يفعل من وراءه ما يفعل إمامه.

قال: ولأنه الذي عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهم أعلم بالسنّة من غيرهم، ولأنهم الذين حضروا صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحفظوا عنه، ولم يَختَلِف ممن روينا ذلك عنهم منهم أن التسليم تسليمة واحدة، وقد أجمع أهل العلم أنه يكون بتسليمة واحدة خارجًا من الصلاة. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله بتصرف. واختصار (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر رحمه الله تحقيق حسن جدًّا.

وحاصله ترجيح مذهب القائلين بالتسليمة الواحدة في صلاة الجنازة؛ لقوة دليله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: ذكر ابن المنذر رحمه الله تعالى استحباب وقوف الإمام بعد التكبيرة الرابعة وقفةً يدعو فيها قبل التسليم، واستدلّ على ذلك بما أخرجه هو، وأحمد في "مسنده"، والحاكم في "مستدركه" بأسانيدهم عن شعبة، عن إبراهيم الْهَجَريّ، عن عبد الله بن أبي أوفى، وكان من أصحاب الشجرة، فماتت ابنة له، وكان يتبع جنازتها على بغلة خلفها، فجعل النساء يبكين، فقال: لا ترثين، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المراثي، فتفيض إحداكنّ من عبرتها ما شاءت، ثم كبّر عليها أربعًا، ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين، يدعو، وقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع في الجنازة هكذا. انتهى. واللفظ لأحمد رحمه الله (٢).

قال: وكان أحمد بن حنبل يرى أن يقف بعد الرابعة قبل التسليم، فاحتجّ


(١) " الأوسط " ٥/ ٤٤٤ - ٤٤٨.
(٢) أخرجه أحمد ٤/ ٣٥٦، والحاكم في "المستدرك" ١/ ٣٦٠.