١ - (منها): بيان حكم سباب المسلم وهو أنه فسوق، وقتاله وهو أنه كفرٌ على ما تقدّم من بيان المراد بالكفر هنا.
٢ - (ومنها): أن فيه تعظيم حقّ المسلم، والحكم على من سبّه بغير حقّ بالفسق، وعلى من قاتله بالكفر.
٣ - (ومنها): أن فيه الردّ على المرجئة القائلين بأن المعاصي لا تضرّ مع الإيمان، وفي "صحيح البخاريّ" من طريق شعبة، عن زُبيد، قال: سألت أبا وائل عن المرجئة؟ فقال: حدّثني عبد الله - يعني ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"، يعني أن مذهبهم هذا باطلٌ، فكأنه قال: كيف يكون مذهبهم حقًّا، وقد خالف قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هذا؟ فمراده إبطال رأيهم الفاسد المذكور.
[فإن قيل]: هذا - وإن تضمّن الردّ على المرجئة - لكن ظاهره يقوّي مذهب الخوارج الذين يُكفّرون بالمعاصي.
[أجيب]: بأن المبالغة في الرّدّ على المبتدعة اقتضت ذلك، ولا متمسّك للخوارج فيه، لأن ظاهره غير مراد، لكن لَمّا كان القتال أشدّ من السباب - لأنه مفض إلى إزهاق الروح - عبّر عنه بلفظ أشدّ من لفظ الفسق وهو الكفر، ولم يُرِد به الكفر المخرج عن الملّة، وإنما أراد المبالغة في الحديث، معتمدًا على ما تقرّر من القواعد أن مثله لا يُخرج عن الملّة، مثل أحاديث الشفاعة وغيرها (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: أخرج النسائيّ من طريق أَبِي دَاوُدَ الطيالسيّ، عن شُعْبَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِحَمَّادٍ: سَمِعْتُ مَنْصُورًا، وَسُلَيْمَانَ، وَزُبَيْدًا، يُحَدِّثُونَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ الله، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ:"سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ"، مَنْ تَتَّهِمُ؟ أَتَتَّهِمُ مَنْصُورًا؟، أَتَتَّهِمُ زُبَيْدًا؟، أَتَتَّهِمُ سُلَيْمَانَ؟، قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَتَّهِمُ أَبَا وَائِلٍ.
(١) راجع: "الفتح" ١/ ١٥٥ "كتاب الإيمان" حديث رقم (٤٨).