المازريّ عن الجمهور: لا يجوز أن يكون حساب المنجّمين؛ لأن الناس لو كُلّفوا به ضاق عليهم؛ لأنه لا يعرفه إلا الأفراد، والشرع إنما يعرّف الناس بما يعرفه جماهيرهم، وحكى ابن العربيّ عن ابن سريج أن قوله:"فاقدروا" خطاب لمن خصّه الله بهذا العلم، وقوله:"فأكملوا العدّة" خطاب للعامة، قال ابن العربيّ: فكأن وجوب رمضان جعله مختلف الحال، يجب على قوم بحساب الشمس والقمر، وعلى آخرين بحساب الْجُمَّل، إن هذا لبعيد عن النبلاء، فكيف عن العلماء؟.
وقال ابن الصلاح رحمه اللهُ في "مشكل الوسيط": معرفة منازل القمر هو معرفة سير الأهلّة، وهو غير المعرفة بالحساب على ما أشعر به كلام الغزاليّ في الدرس، فالحساب أمر دقيق يختصّ بمعرفته الآحاد، والمعرفة بالمنازل كالمحسوس يشترك في ذكره الجمهور، ممن يراقب النجوم. انتهى.
قال وليّ الدين: فمعرفة منازل القمر هي التي قال بها ابن سريج، ثم إنه لم يقل بها في حقّ كلّ أحد، وإنما قال بها في حقّ العارف بها، وإنما قال بجوازه له، كذا ذكر الرويانيّ عنه. ونقل الجواز أيضًا عن اختيار القفّال، والقاضي أبي الطيّب الطبريّ، وحكى الشيخ في المهذّب عن ابن سُريج لزوم الصوم في هذه الصورة، ثم ذكر وليّ الدين تفاصيل الأوجه في مذهب الشافعيّ في مسألة الحاسب والمنجّم، وبسط الكلام فيه.
وقال ابن دقيق العيد في "شرح العمدة": وأما ما دلّ الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يُرى لولا وجود المانع، كالغيم، فهذا يقتضي الوجوب؛ لوجود السبب الشرعيّ، قال: وليس حقيقة الرؤية تشترط في اللزوم؛ لأن الاتفاق على أن المحبوس في الممطورة إذا علم بإكمال العدّة، أو الاجتهاد بالأمارات أن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم، وإن لم ير الهلال، ولا أخبره من رآه.
وردّ عليه الحافظ العراقيّ في "شرح الترمذيّ"، فقال: المحبوس في الممطورة معذور، فيجب عليه الاجتهاد في دخول الوقت، ويجب عليه العمل بما أدّى إليه اجتهاده، فإن تبيّن خطؤه بيقين أعاد، وحصول الغيم في المطالع أمر معتاد، والسبب الشرعيّ للوجوب إنما هو الرؤية، لا علم ذلك بالحساب؛