وقال الشوكانيّ رحمه الله -بعد ذكر اختلاف الأقوال- ما حاصله: واستدلّوا -يعني القائلين باعتبار شهادة الاثنين- بحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وبحديث أمير مكة، فإن ظاهرهما اعتبار شاهدين، وتأولوا الحديثين المتقدمين -يعني حديث ابن عباس، وابن عمر - رضي الله عنهم - السابقين- باحتمال أن يكون قد شهد عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غيرهما.
وأجاب الأولون -يعني القائلين بالاكتفاء بشهادة رجل واحد- بأن التصريح بالاثنين غاية ما فيه المنع من قبول الواحد بالمفهوم، وحديثا عبد الرحمن بن زيد، وأمير مكة يدلّان على قبوله بالمنطوق، ودلالة المنطوق أرجح، وأما التأويل بالاحتمال المذكور، فتعسّف وتجويز، لو صحّ اعتبار مثله لكان مفضيًا إلى طرح أكثر الشريعة.
قال: واختلفوا أيضًا في شهادة خروج رمضان، فقال النوويّ في "شرح مسلم": لا تجوز شهادة عدل واحد على هلال شوّال عند جميع العلماء، إلا أبا ثور، فجوّز بعدل. انتهى.
واستدلّوا بحديث ابن عمر، وابن عباس المتقدم، وهو مما لا تقوم به حجة؛ لما تقدّم من ضعف من تفرّد به، وهو حفص بن عمر الأيليّ.
وأما حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وحديث أمير مكة، فهما واردان في شهادة دخول رمضان، أما حديث أمير مكة فظاهر؛ لقوله فيه:"نسكنا بشهادتهما"، وأما حديث عبد الرحمن بن زيد ففي بعض ألفاظه:"إلا أن يشهد شاهدا عدل"، وهو مستثنى من قوله:"فأكملوا عدة شعبان"، فالكلام في شهادة دخول رمضان، وأما لفظ أحمد:"فإن شهد مسلمان، فصوموا، وأفطروا"، وكذا لفظ النسائيّ:"فإن شهد شاهدان، فصوموا، وأفطروا"، فمع كون مفهوم الشرط، قد وقع الخلاف في العمل به هوأيضًا معارض بما تقدّم من قبوله - صلى الله عليه وسلم - لخبر الواحد في أول الشهر، وبالقياس عليه في آخره؛ لعدم الفارق، فلا ينتهض مثل هذا المفهوم لإثبات هذا الحكم به، وإذا لم يرد ما يدلّ على اعتبار الاثنين في شهادة الإفطار من الأدلّة الصحيحة، فالظاهر أنه يكفي فيه واحد قياسًا على الاكتفاء به في الصوم.
وأيضًا التعبّد بقبول خبر الواحد يدلّ على قبوله في كلّ موضع إلا ما ورد