الدليل بتخصيصه بعدم التعبّد فيه بخبر الواحد؛ كالشهادة على الأموال ونحوها، فالظاهر ما قاله أبو ثور.
ويمكن أن يقال: إن مفهوم حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب قد عورض في أول الشهر بما تقدّم، وأما في آخر الشهر فلا ينتهض ذلك القياس لمعارضته، لا سيّما مع تأيده بحديث ابن عمر وابن عباس المتقدّم، وهو وإن كان ضعيفًا، فذلك غير مانع من صلاحيته للتأييد، فيصلح ذلك المفهوم المعتضِد بذلك الحديث لتخصيص ما ورد من التعبّد بأخبار الآحاد، والمقام محلّ نظر.
ومما يؤيّد القول بقبول الواحد مطلقًا أن قبوله في أول رمضان يستلزم الإفطار عند كمال العدّة استنادًا إلى قبوله.
وأجيب عن ذلك بأنه يجوز الإفطار بقول الواحد ضمنًا، لا صريحًا، وفيه نظر. انتهى كلام الشوكانيّ رحمه اللهُ.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يترجح عندي قول من قال: يثبت هلال رمضان بشهادة رجل واحد؛ لصحة حديث عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: جاء أعرابيّ إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أبصرت الهلال الليلة، قال:"أتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله؟ " قال: نعم، قال:"يا بلال أذّن في الناس، فليصوموا"، رواه النسائيّ، وهو إن رُجّح فيه الإرسال، إلا أنه صحيح، يشهد له حديث ابن عمر عند أبي داود وغيره، بإسناد صحيح، قال:"تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه"، وقد أشبعت البحث في هذا في "شرح النسائيّ"، فراجعه (٢٠/ ٢٨٥ - ٢٨٦) تستفد.
والحاصل أن القول بثبوت شهادة رجل واحد هو الحقّ، وبهذا تجتمع الأدلّة، وأما الإفطار فلا بدّ من شاهدين؛ لصحة حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وهو ما أخرجه النسائيّ (٧/ ٢٦٧) بسند صحيح عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، أنه خطب الناس في اليوم الذي يُشَكّ فيه، فقال: ألا إني جالست أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وساءلتهم، وإنهم حدّثوني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وانسُكُوا لها، فإن غُمّ عليكم فأكملوا